شباب العرب
اهلا وسهلا بك ...في منتدي شباب العرب هذا المنتدي يتضمن جميع ماتريده وبك يكون المنتدي اكبر و أوسع شهره ونرجو منكم التسجيل في المنتدي وكما نتمني ان تكون من اسرتنا
وشكرا &&& ادارة المنتدي : أبو داود &&&
شباب العرب
اهلا وسهلا بك ...في منتدي شباب العرب هذا المنتدي يتضمن جميع ماتريده وبك يكون المنتدي اكبر و أوسع شهره ونرجو منكم التسجيل في المنتدي وكما نتمني ان تكون من اسرتنا
وشكرا &&& ادارة المنتدي : أبو داود &&&
شباب العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

شباب العرب


 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
القائد الأكبر
The Big Leader
The Big Leader
القائد الأكبر


ذكر عدد المساهمات : 2369
نقاط : 2147488500
تاريخ الميلاد : 25/01/1990
تاريخ التسجيل : 04/02/2011
العمر : 34
البلد : https://shapap.jordanforum.net

 غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Empty
مُساهمةموضوع: غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)    غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Icon_minitimeالجمعة مايو 20, 2011 8:29 pm

نبدء بإذن الله تعالي الحديث عن غزوات و معارك رسول الله صلي الله عليه و سلم و ذلك حسب التسلسل الزمني لكل غزوة .... و الله الموفق ...

غزوة بدر الكبرى أول معركة من معارك الإسلام الفاصلة

سبب الغزوة


كانت قريش قد اعتدت على المسلمين فى مكة بالضرب والتعذيب والاضطهاد بل وصلالأمر إلى القتل وكان ممن مات من التعذيب سمية بنت خياط وياسر زوجهاوغيرهما من الضعفاء الفقراء الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم

مما اضطر المسلمين إلى الهجرة إلى المدينة فرارا بأرو....م ودينهم من بطشمكة ورؤسائها ولكن الأمر لم ينتهى من جهة قريش إلى هذا الحد بل قام رؤساءمكة وعلى رأسهم أبوجهل بأخذ أراضى المسلمين الذين هاجروا للمدينة وديارهمبمكة حتى أنه لم يسلم شئ من أموال المسلمين تقريبا حتى رسول الله اعتدىابن عمه أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب على داره بمكة وأخذها لنفسه ثمباعها بعد ذلك وأخذ ثمنها لنفسه

وأصبح المسلمون المهاجرون من مكة ليس لواحد منهم مال ولا دار فى مكة إلا ونهبت

فكان الهدف من الهجوم على عير قريش إعادة بعض ما استولت عليه قريش من أموال المسلمين بمكة

فترصد لها المسلمون فى سرية تسمى أحداثها بغزوة العشيرة وهى متجهة للشام ولكنها أفلتت من المسلمين

فلما قرب رجوعها من الشام إلى مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحةبن عبيد الله وسعيد بن زيد إلى الشمال ليقوما باكتشاف خبرها، فوصلا إلىالحوراء ومكثا حتى مر بهما أبو سفيان بالعير، فأسرعا إلى المدينة وأخبرارسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر‏.‏

وكانت العير تحمل ثروات طائلة لكبار أهل مكة ورؤسائها‏:‏ ألف بعير موقرةبأموال لا تقل عن خمسين ألف دينار ذهبي‏.‏ ولم يكن معها من الحرس إلا نحوأربعين رجلا‏.‏

إنها فرصة ذهبية للمسلمين ليصيبوا أهل مكة بضربة اقتصادية قاصمة، تتألملها قلوبهم على مر العصور، لذلك أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلمقائلاً‏:‏ ‏‏(‏هذه عير قريش فيها أموالهم، فاخرجوا إليها لعل الله ينفلكموها‏)‏‏.‏

ولم يعزم على أحد بالخروج، بل ترك الأمر للرغبة المطلقة، لما أنه لم يكنيتوقع عند هذا الانتداب أنه سيصطدم بجيش مكة - بدل العير- هذا الاصطدامالعنيف في بدر؛ ولذلك تخلف كثير من الصحابة في المدينة، وهم يحسبون أن مضىرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الوجه لن يعدو ما ألفوه في السراياوالغزوات الماضية؛ ولذلك لم ينكر على أحد تخلفه في هذه الغروة‏.‏

مبلغ قوة الجيش الإسلامي وتوزيع القيادات

واستعد رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج ومعه ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً 313، أو 314، أو 317 رجلاً 82 أو 83 أو 86 من المهاجرين و 61 من الأوس و 170 من الخرزج‏.‏ ولم يحتفلوا لهذا الخروج احتفالا بليغا، ولا اتخذوا أهبتهم كاملة، فلم يكن معهم إلا فرس أو فرسان‏:‏ فرس للزبير بن العوام، وفرس للمقداد بن الأسود الكندي، وكان معهم سبعون بعيرا يعتقب الرجلان والثلاثة على بعير واحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي ومرثد بن أبي مرثد الغنوي يعتقبون بعيراً واحد‏.‏

واستخلف على المدينة وعلى الصلاة ابن أم مكتوم، فلما كان بالروحاء رد أبا لبابة ابن عبد المنذر، واستعمله على المدينة‏.‏

ودفع لواء القيادة العامة إلى مصعب بن عمير القرشي العبدري، وكان هذا اللواء أبيض‏.‏

وقسم جيشه إلى كتيبتين :

1- كتيبة المهاجرين‏:‏ وأعطى رايتها علي بن أبي طالب، ويقال لها‏:‏ العقاب‏.‏

2- وكتبية الأنصار‏:‏ وأعطى رايتها سعد بن معاذ‏.‏ وكانت الرايتان سوداوين ‏.‏

وجعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو- وكانا هما الفارسين الوحيدين في الجيش - كما سبق - وجعل على الساقة قيس بن أبي صعصعة، وظلت القيادة العامة في يده صلى الله عليه وسلم كقائد أعلى للجيش‏.‏

وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجيش غير المتأهب، فخرج من نقب المدينة، ومضى على الطريق الرئيسي المؤدي إلى مكة، حتى بلغ بئر الروحاء، فلما ارتحل منها ترك طريق مكة إلى اليسار، وانحرف ذات اليمين على النازية يريد بدراً فسلك في ناحية منه حتى جزع ودياً يقال له‏:‏ رحقان بين النازية وبين مضيق الصفراء، ثم مر على المضيق ثم انصب منه حتى قرب من الصفراء، ومن هنالك بعث بسبس بن عمرو الجني وعدي بن أبي الزغباء الجهي إلى بدر يتجسسان له أخبار العير‏.‏

النذير في مكة

وأما خبر العير فإن أبا سفيان - وهو المسئول عنها - كان على غاية من الحيطة والحذر، فقد كان يعلم أن طريق مكة محفوف بالأخطار، وكان يتحسس الأخبار ويسأل من لقى من الركبان، ولم يلبث أن نقلت إليه استخباراته بأن محمداً صلى الله عليه وسلم قد استنفر أصحابه ليوقع بالعير، وحينئذ استأجر أبو سفيان ضمضم بن عمرو الغفاري إلى مكة مستصرخاً لقريش بالنفير إلى عيرهم؛ ليمنعوه من محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وخرج ضمضم سريعاً حتى أتى مكة، فخرخ ببطن الوادي واقفاً على بعيره، وقد جدع أنفه وحول رحله، وشقق قميصه، وهو يقول‏:‏ يا معشر قريش، اللطيمة، اللطيمة أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها لها محمد في أصحابه، لا أرى أن تدركوها، الغوث‏.‏‏.‏‏.‏ الغوث‏.‏

أهل مكة يتجهزون للغزو

فتحفز الناس سراعًا وقالوا‏:‏ أيظن محمد وأصحابه أن تكون كعير ابن الحضرمي‏؟‏ كلا والله ليعلمن غير ذلك، فكانوا بين رجلين‏:‏ إما خارج، وإما باعث مكانه رجلًا، وأوعبوا في الخروج فلم يتخلف من أشرافهم أحد سوى أبي لهب، فإنه عوض عنه رجلًا كان له عليه دين، وحشدوا من حولهم من قبائل العرب، ولم يتخلف عنهم أحد من بطون قريش إلا بني عدى فلم يخرج منهم أحد‏.‏

قوام الجيش المكي

وكان قوام هذا الجيش نحو ألف وثلاثمائة مقاتل في بداية سيره، وكان معه مائة فرس وستمائة دِرْع، وجمال كثيرة لا يعرف عددها بالضبط، وكان قائده العام أبا جهل ابن هشام، وكان القائمون بتموينه تسعة رجال من أشراف قريش، فكانوا ينحرون يومًا تسعًا ويومًا عشرًا من الإبل‏.‏

مشكلة قبائل بني بكر

ولما أجمع هذا الجيش على المسير ذكرت قريش ما كان بينها وبين بني بكر من العداوة والحرب، فخافوا أن تضربهم هذه القبائل من الخلف، فيكونوا بين نارين، فكاد ذلك يثنيهم، ولكن حينئذ تبدى لهم إبليس في صورة سُرَاقة بن مالك بن جُعْشُم المدلجى سيد بني كنانة فقال لهم‏:‏ أنا لكم جار من أن تأتيكم كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه‏.‏

جيش مكة يتحرك

وحينئذ خرجوا من ديارهم، كما قالالله‏:‏ ‏{‏بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏47‏]‏، وأقبلوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدهم وحديدهم يحادون الله ويحادون رسوله ‏{‏وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ‏}‏ ‏[‏ القلم‏:‏25‏]‏، وعلى حمية وغضب وحنق علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ لجرأة هؤلاء على قوافلهم‏.‏

تحركوا بسرعة فائقة نحو الشمال في اتجاه بدر، وسلكوا في طريقهم وادى عُسْفَان، ثم قُدَيْدًا، ثم الجُحْفَة، وهناك تلقوا رسالة جديدة من أبي سفيان يقول لهم فيها‏:‏ إنكم إنما خرجتم لتحرزوا عيركم ورجالكم وأموالكم، وقد نجاها الله فارجعوا‏.‏

العير تفلت

وكان من قصة أبي سفيان أنه كان يسير على الطريق الرئيسى، ولكنه لم يزل حذرًا متيقظًا، وضاعف حركاته الاستكشافية، ولما اقترب من بدر تقدم عيره حتى لقى مَجْدِىَّ بن عمرو، وسأله عن جيش المدينة، فقال‏:‏ ما رأيت أحدًا أنكره إلا إني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التل، ثم استقيا في شن لهما، ثم انطلقا، فبادر أبو سفيان إلى مناخهما، فأخذ من أبعار بعيرهما، ففته فإذا فيه النوى، فقال‏:‏ هذه والله علائف يثرب، فرجع إلى عيره سريعًا، وضرب وجهها محولًا اتجاهها نحو الساحل غربًا، تاركًا الطريق الرئيسى الذي يمر ببدر على اليسار، وبهذا نجا بالقافلة من الوقوع في قبضة جيش المدينة، وأرسل رسالته إلى جيش مكة التي تلقاها في الجحفة‏.‏

هَمّ الجيش المكي بالرجوع، ووقوع الانشقاق فيه

ولما تلقى هذه الرسالة جيش مكة هم بالرجوع، ولكن قام طاغية قريش أبو جهل في كبرياء وغطرسة قائلًا‏:‏ والله لا نرجع حتى نرد بدرًا، فنقيم بها ثلاثًا، فننحر الجَزُور، ونطعم الطعام، ونسقى الخمر، وتعزف لنا القِيان، وتسمع بنا العرب وبمسيرنا وجمعنا، فلا يزالون يهابوننا أبدًا‏.‏

ولكن على رغم أبي جهل أشار الأخْنَس بن شَرِيق بالرجوع فعصوه،فرجع هو وبنو زُهْرَة وكان حليفًا لهم، ورئيسًا عليهم في هذا النفير فلم يشهد بدرًا زهرى واحد، وكانوا حوالى ثلاثمائة رجل،واغتبطت بنو زهرة بَعْدُ برأي الأخنس بن شريق، فلم يزل فيهم مطاعًا معظمًا‏.‏

وأرادت بنو هاشم الرجوع فاشتد عليهم أبو جهل، وقال‏:‏ لا تفارقنا هذه العصابة حتى نرجع‏.‏


فسار جيش مكة وقوامه ألف مقاتل بعد رجوع بني زهرة وهو يقصد بدرًا فواصل سيره حتى نزل قريبًا من بدر، وراء كثيب يقع بالعدوة القصوى على حدود وادى بدر‏.‏


موقف الجيش الإسلامي في ضيق وحرج

أما استخبارات جيش المدينة فقد نقلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال في الطريق بوادي ذَفِرَان خبر العير والنفير، وتأكد لديه بعد التدبر في تلك الأخبار أنه لم يبق مجال لاجتناب اللقاء الدامي، وأنه لا بد من إقدام يبني على الشجاعة والبسالة، والجراءة، والجسارة، فمما لا شك فيه أنه لو ترك جيش مكة يجوس خلال تلك المنطقة يكون ذلك تدعيمًا لمكانة قريش العسكرية، وامتدادًا لسلطانها السياسي، وإضعافًا لكلمة المسلمين وتوهينًا لها،بل ربما تبقى الحركة الإسلامية بعد ذلك جسدًا لا روح فيه، ويجرؤ على الشر كل من فيه حقد أو غيظ على الإسلام في هذه المنطقة‏.‏

ثم هل هناك ضمان للمسلمين بامتناع جيش مكة عن مواصلة سيره نحو المدينة، حتى ينقل المعركة إلى أسوارها، ويغزو المسلمين في عقر دارهم‏؟‏ كلا‏!‏ فلو حدث من جيش المدينة نكول ما، لكان له أسوأ الأثر على هيبة المسلمين وسمعتهم‏.‏

المجلس الاستشاري

ونظرًا إلى هذا التطور الخطير المفاجيء عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسًا عسكريًا استشاريًا أعلى، أشار فيه إلى الوضع الراهن، وتبادل فيه الرأي مع عامة جيشه وقادته‏.‏ وحينئذ تزعزع قلوب فريق من الناس،وخافوا اللقاء الدامى،وهم الذين قال الله فيهم‏:‏ ‏{‏كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ‏}‏ ‏[‏الأنفال‏:‏5، 6‏]‏، وأما قادة الجيش فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن،ثم قام عمر بن الخطاب فقال وأحسن،ثم قام المقداد بن عمرو فقال‏:‏ يا رسول الله، امض لما أراك الله،فنحن معك،والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى‏:‏ ‏{‏فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ‏}‏ ‏[‏المائدة‏:‏24]‏، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له به‏.‏


وهؤلاء القادة الثلاثة كانوا من المهاجرين، وهم أقلية في الجيش، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف رأي قادة الأنصار؛ لأنهم كانوا يمثلون أغلبية الجيش، ولأن ثقل المعركة سيدور على كواهلهم، مع أن نصوص العقبة لم تكن تلزمهم بالقتال خارج ديارهم، فقال بعد سماع كلام هؤلاء القادة الثلاثة‏:‏ ‏‏(‏أشيروا علىّ أيها الناس‏)‏ وإنما يريد الأنصار، وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ‏.‏


فقال‏:‏ والله، ولكأنك تريدنا يا رسول الله‏؟‏

قال‏:‏ ‏‏(‏أجل‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فقد آمنا بك، فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدًا، إنا لصُبُر في الحرب، صُدَّق في اللقاء، ولعل الله يريك منا ما تَقَرَّ به عينك، فسِرْ بنا على بركة الله‏.‏
وفي رواية أن سعد بن معاذ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ لعلك تخشى أن تكون الأنصار ترى حقًا عليها ألا تنصرك إلا في ديارهم، وإني أقول عن الأنصار وأجيب عنهم‏:‏ فاظعن حيث شئت، وصِلْ حَبْل من شئت، واقطع حبل من شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، وأعطنا ما شئت، وما أخذت منا كان أحب إلينا مما تركت، وما أمرت فيه من أمر فأمرنا تبع لأمرك، فهو الله لئن سرت حتى تبلغ البرك من غِمْدان لنسيرن معك، ووالله لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك‏.‏
فَسُرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد، ونشطه ذلك، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏سيروا وأبشروا، فإن الله تعالى قد وعدنى إحدى الطائفتين، والله لكإني الآن أنظر إلى مصارع القوم‏)‏‏.‏




الجيش الإسلامي يواصل سيره

ثم ارتحل رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذَفِرَان، فسلك على ثنايا يقال لها‏:‏ الأصافر، ثم انحط منها إلى بلد يقال له‏:‏ الدَّبَّة، وترك الحَنَّان بيمين وهو كَثِيب عظيم كالجبل ثم نزل قريبًا من بدر‏.‏

الرسول صلى الله عليه وسلم يقوم بعملية الاستكشاف

وهناك قام صلى الله عليه وسلم بنفسه بعملية الاستكشاف مع رفيقه في الغار أبي بكر الصديق رضي الله عنه وبينما هما يتجولان حول معسكر مكة إذا هما بشيخ من العرب، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش وعن محمد وأصحابه سأل عن الجيشين زيادة في التكتم ولكن الشيخ قال‏:‏ لا أخبركما حتى تخبراني ممن أنتما‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏إذا أخبرتنا أخبرناك‏)‏، قال‏:‏ أو ذاك بذاك‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏نعم‏)‏‏.‏

قال الشيخ‏:‏ فإنه بلغنى أن محمدًا وأصحابه خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به جيش المدينة‏.‏ وبلغنى أن قريشًا خرجوا يوم كذا وكذا، فإن كان صدق الذي أخبرني فهم اليوم بمكان كذا وكذا للمكان الذي به جيش مكة‏.‏

ولما فرغ من خبره قال‏:‏ ممن أنتما‏؟‏ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏نحن من ماء‏)‏، ثم انصرف عنه، وبقى الشيخ يتفوه‏:‏ ما من ماء‏؟‏ أمن ماء العراق‏؟‏

الحصول على أهم المعلومات عن الجيش المكي

وفي مساء ذلك اليوم بعث صلى الله عليه وسلم استخباراته من جديد ليبحث عن أخبار العدو، وقام لهذه العملية ثلاثة من قادة المهاجرين؛ على بن أبي طالب والزبير بن العوام وسعد ابن أبي وقاص في نفر من أصحابه، ذهبوا إلى ماء بدر فوجدوا غلامين يستقيان لجيش مكة، فألقوا عليهما القبض، وجاءوا بهما إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فاستخبرهما القوم، فقالا‏:‏ نحن سقاة قريش، بعثونا نسقيهم من الماء، فكره القوم، ورجوا أن يكونا لأبي سفيان لاتزال في نفوسهم بقايا أمل في الاستيلاء على القافلة فضربوهما ضربًا موجعًا حتى اضطر الغلامان أن يقولا‏:‏ نحن لأبي سفيان فتركوهما‏.‏

ولما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال لهم كالعاتب‏:‏ ‏‏(‏إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما، صدقا والله، إنهما لقريش‏)‏‏.‏

ثم خاطب الغلامين قائلًا‏:‏ ‏‏(‏أخبرإني عن قريش‏)‏، قالا‏:‏ هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى، فقال لهما‏:‏ ‏‏(‏كم القوم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ كثير‏.‏ قال‏:‏ ‏‏(‏ما عدتهم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ لا ندرى، قال‏:‏ ‏‏(‏كم ينحرون كل يوم‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ يومًا تسعًا ويومًا عشرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏القوم فيما بين التسعمائة إلى الألف‏)‏، ثم قال لهما‏:‏ ‏‏(‏فمن فيهم من أشراف قريش‏؟‏‏)‏ قالا‏:‏ عتبة وشيبة ابنا ربيعة، وأبو البَخْتَرىّ بن هشام، وحكيم بن حِزام، ونَوْفَل بن خويلد، والحارث بن عامر، وطُعَيْمَة بن عدى، والنضر بن الحارث، وَزمْعَة بن الأسود، وأبو جهل بن هشام، وأمية بن خلف في رجال سمياهم‏.‏

فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس فقال‏:‏ ‏‏(‏هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها‏)‏‏.‏

نزول المطر

وأنزل الله عز وجل في تلك الليلة مطرًا واحدًا، فكان على المشركين وابلًا شديدًا منعهم من التقدم، وكان على المسلمين طلا طهرهم به، وأذهب عنهم رجس الشيطان، ووطأ به الأرض، وصلب به الرمل، وثبت الأقدام، ومهد به المنزل، وربط به على قلوبهم‏.‏

الجيش الإسلامي يسبق إلى أهم المراكز العسكرية

وتحرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيشه ليسبق المشركين إلى ماء بدر، ويحول بينهم وبين الاستيلاء عليه، فنزل عشاء أدنى ماء من مياه بدر، وهنا قام الحُبَاب بن المنذر كخبير عسكرى وقال‏:‏ يا رسول الله، أرأيت هذا المنزل، أمنزلًا أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه‏؟‏ أم هو الرأي والحرب والمكيدة‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏(‏بل هو الرأي والحرب والمكيدة‏)‏‏.‏

قال‏:‏ يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزل، فانهض بالناس حتى نأتى أدنى ماء من القوم قريش فننزله ونغوّر أي نُخَرِّب ما وراءه من القُلُب، ثم نبني عليه حوضًا، فنملأه ماء، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏لقد أشرت بالرأي‏)‏‏.‏

فنهض رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش حتى أتى أقرب ماء من العدو، فنزل عليه شطر الليل، ثم صنعوا الحياض وغوروا ما عداها من القلب‏.‏

مقر القيادة

وبعد أن تم نزول المسلمين على الماء اقترح سعد بن معاذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبني المسلمون مقرًا لقيادته؛ استعدادًا للطوارئ، وتقديرًا للهزيمة قبل النصر، حيث قال‏:‏

يا نبى الله، ألا نبني لك عريشًا تكون فيه، ونعد عندك ركائبك، ثم نلقى عدونا، فإن أعزنا الله وأظهرنا على عدونا كان ذلك ما أحببنا، وإن كانت الأخرى جلست على ركائبك فلحقت بِمَنْ وراءنا من قومنا، فقد تخلف عنك أقوام يا نبي الله ما نحن بأشد لك حبًا منهم، ولو ظنوا أنك تلقى حربًا ما تخلفوا عنك، يمنعك الله بهم، يناصحونك ويجاهدون معك‏.‏

فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا ودعا له بخير، وبني المسلمون عَرِيشًا على تل مرتفع يقع في الشمال الشرقى لميدان القتال، ويشرف على ساحة المعركة‏.‏

كما تم اختيار فرقة من شباب الأنصار بقيادة سعد بن معاذ يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم حول مقر قيادته‏.‏

تعبئة الجيش وقضاء الليل

ثم عبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشه‏.‏ ومشى في موضع المعركة، وجعل يشير بيده‏:‏ ‏‏(‏هذا مصرع فلان غدًا إن شاء الله، وهذا مصرع فلان غدا إن شاء الله‏)‏‏.‏ ثم بات رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع شجرة هنالك، وبات المسلمون ليلهم هادئي الأنفاس منيري الآفاق، غمرت الثقة قلوبهم، وأخذوا من الراحة قسطهم؛ يأملون أن يروا بشائر ربهم بعيونهم صباحًا‏:‏ ‏{‏إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ‏} [‏الأنفال‏:‏11‏]‏‏.‏

كانت هذه الليلة ليلة الجمعة، السابعة عشرة من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان خروجه صلى الله عليه وسلم في 8 أو12 من نفس الشهر‏.‏

الجيش المكي في عرضة القتال، ووقوع الانشقاق فيه

أما قريش فقضت ليلتها هذه في معسكرها بالعدوة القصوى، ولما أصبحت أقبلت في كتائبها، ونزلت من الكثيب إلى وادي بدر‏.‏ وأقبل نفر منهم إلى حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ‏[‏دعوهم‏]‏، فما شرب أحد منهم يومئذ إلا قتل، سوى حكيم بن حزام، فإنه لم يقتل، وأسلم بعد ذلك، وحسن إسلامه، وكان إذا اجتهد في اليمين قال‏:‏ لا والذي نجاني من يوم بدر‏.‏

فلما اطمأنت قريش بعثت عُمَيْر بن وهب الجُمَحِى للتعرف على مدى قوة جيش المدينة، فدار عمير بفرسه حول العسكر، ثم رجع إليهم فقال‏:‏ ثلاثمائة رجل، يزيدون قليلًا أو ينقصون، ولكن أمهلونى حتى أنظر أللقوم كمين أو مدد‏؟‏

فضرب في الوادى حتى أبعد، فلم ير شيئًا، فرجع إليهم فقال‏:‏ ما وجدت شيئًا، ولكنى قد رأيت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، قوم ليس معهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلًا منكم،فإذا أصابوا منكم أعدادكم فما خير العيش بعد ذلك‏؟‏ فروا رأيكم‏.‏

وحينئذ قامت معارضة أخرى ضد أبي جهل المصمم على المعركة تدعو إلى العودة بالجيش إلى مكة دونما قتال، فقد مشى حكيم بن حزام في الناس، وأتى عتبة ابن ربيعة فقال‏:‏ يا أبا الوليد، إنك كبير قريش وسيدها، والمطاع فيها، فهل لك إلى خير تذكر به إلى آخر الدهر‏؟‏ قال‏:‏ وما ذاك يا حكيم‏؟‏ قال‏:‏ ترجع بالناس، وتحمل أمر حليفك عمرو بن الحضرمى المقتول في سرية نخلة فقال عتبة‏:‏ قد فعلت‏.‏ أنت ضامن علىّ بذلك‏.‏ إنما هو حليفي، فعلى عقله ‏[‏ديته‏]‏ وما أصيب من ماله‏.‏

ثم قال عتبة لحكيم بن حزام‏:‏ فائت ابن الحَنْظَلِيَّةِ أبا جهل، والحنظلية أمه فإني لا أخشى أن يشجر أمر الناس غيره‏.‏

ثم قام عتبة بن ربيعة خطيبًا فقال‏:‏ يا معشر قريش، إنكم والله ما تصنعون بأن تلقوا محمدًا وأصحابه شيئًا، والله لئن أصبتموه لايزال الرجل ينظر في وجه رجل يكره النظر إليه، قتل ابن عمه أو ابن خاله أو رجلًا من عشيرته، فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فإن أصابوه فذاك الذي أردتم، وإن كان غير ذلك ألْفَاكُمْ ولم تَعَرَّضُوا منه ما تريدون‏.‏

وانطلق حكيم بن حزام إلى أبي جهل وهو يهيئ درعًا له قال‏:‏ يا أبا الحكم، إن عتبة أرسلنى بكذا وكذا، فقال أبو جهل‏:‏ انتفخ والله سَحْرُهُ حين رأي محمدًا وأصحابه، كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد، وما بعتبة ما قال، ولكنه قد رأي أن محمدًا وأصحابه أكلة جَزُور، وفيهم ابنه وهو أبو حذيفة بن عتبة كان قد أسلم قديمًا وهاجر فَتَخَوَّفَكُمْ عليه‏.‏

ولما بلغ عتبة قول أبي جهل‏:‏ انتفخ والله سحره، قال عتبة‏:‏ سيعلم مُصَفِّر اسْتَه من انتفخ سحره، أنا أم هو‏؟‏ وتعجل أبو جهل، مخافة أن تقوى هذه المعارضة، فبعث على إثر هذه المحاورة إلى عامر بن الحضرمى أخي عمرو بن الحضرمى المقتول في سرية عبد الله بن جحش فقال‏:‏ هذا حليفك ‏[‏أي عتبة‏]‏ يريد أن يرجع بالناس، وقد رأيت ثأرك بعينك، فقم فانْشُد خُفْرَتَك ، ومَقْتَلَ أخيك، فقام عامر فكشف عن استه، وصرخ‏:‏ واعمراه، واعمراه، فحمى القوم، وحَقِبَ أمرهم، واستوثقوا على ما هم عليه من الشر، وأفسد على الناس الرأي الذي دعاهم إليه عتبة‏.‏ وهكذا تغلب الطيش على الحكمة، وذهبت هذه المعارضة دون جدوى‏.

الجيشان يتراآن:




ولما طلع المشركون وتراآى الجمعان قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادك وتكذب رسولك، اللهم فنصرك الذي وعدتني، اللهم أحنهم الغداة وقد قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ورأى عتبة بن ربيعة في القوم على جمل له أحمر - إن يكن في أحد من القوم خير فعند صاحب الجمل الأحمر، إن يطيعوه يرشدوا.



وعدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صفوف المسلمين، وبينما هو يعدلها وقع أمر عجيب، فقد كان في يده قدح يعدل به، وكان سواد بن غزية مستنصلاً من الصف. فطعن في بطنه بالقدح وقال: استو يا سواد، فقال سواد يا رسول اللَّه أوجعتني فأقدني، فكشف عن بطنه، وقال: استقد، فاعتنقه سواد وقبل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول اللَّه قد حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخير.



ولما تم تعديل الصفوف أصدر أوامره إلى جيشه بأن لا يبدأوا القتال حتى يتلقوا منه الأوامر الأخيرة، ثم أدلى إليهم بتوجيه خاص في أمر الحرب فقال: إذا أكثبوكم - يعني كثروكم - فارموهم واستبقوا نبلكم. ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم، ثم رجع إلى العريش هو وأبو بكر خاصة، وقام سعد بن معاذ بكتيبة الحراسة على باب العريش.



أما المشركون فقد استفتح أبو جهل في ذلك اليوم فقال: اللهم اقطعنا للرحم وآتنا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أينا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم، وفي ذلك أنزل اللَّه {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمْ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].




ساعة الصفر وأول وقود المعركة:




وكان أول وقود المعركة الأسود بن عبد الأسد المخزومي - وكان رجلاً شرساً سيء الخلق - خرج قائلاً أعاهد اللَّه لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه. فلما خرج، خرج إليه حمزة بن عبد المطلب رضي اللَّه عنه، فلما التقيا ضربه حمزة فأطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض، فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد أن تبر يمينه، ولكن حمزة ثنى عليه بضربة أخرى أتت عليه وهو داخل الحوض.



المبارزة:





وكان هذا أول قتل أشعل نار المعركة، فقد خرج بعده ثلاثة من خيرة فرسان قريش كانوا من عائلة واحدة، وهم عتبة وأخوه شيبة ابنا ربيعة، والوليد بن عتبة فلما انفصلوا من الصف طلبوا المبارزة، فخرج إليهم ثلاثة من شباب الأنصار، عوف ومعوذ ابنا الحارث - وأمهما عفراء - وعبد اللَّه بن رواحة، فقالوا: من أنتم؟ قالوا: رهط من الأنصار. قالوا: أكفاء كرام. ما لنا بكم حاجة، وإنما نريد بني عمنا، ثم نادى مناديهم يا محمد، أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي فلما قاموا ودنوا منهم قالوا: من أنتم؟ فأخبروهم فقالوا: أنتم أكفاءٌ كرام، فبارز عبيدة - وكان أسن القوم - عتبة بن ربيعة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد، فأما حمزة وعلي فلم يمهلا قرنيهما أن قتلاهما، وأما عبيدة فاختلف بينه وبين قرنه ضربتان، فأثخن كل واحد منهما صاحبه، ثم كر علي وحمزة على عتبة فقتلاه واحتملا عبيدة، قد قطعت رجله، فلم يزل صمتاً حتى مات بالصفراء بعد أربعة أو خمسة أيام من وقعة بدر حينما كان المسلمون في طريقهم إلى المدينة.


وكان علي يقسم باللَّه أن هذه الآيات نزلت فيهم {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19].





الهجوم العام:






وكانت نهاية هذه المبارزة بداية سيئة بالنسبة إلى المشركين، فقدوا ثلاثة من خيرة فرسانهم وقادتهم دفعة واحدة، فاستشاطوا غضباً، وكروا على المسلمين كرة رجل واحد.



وأما المسلمون فبعد أن استنصروا ربهم واستغاثوه وأخلصوا له وتضرعوا إليه تلقوا هجمات المشركين المتوالية، وهم مرابطون في مواقعهم، واقفون موقف الدفاع، وقد ألحقوا بالمشركين خسائر فادحة، وهم يقولون أحد أحد.





الرسول صلى الله عليه وسلم يناشد ربه:






وأما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان منذ رجوعه بعد تعديل الصفوف يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، حتى إذا حمي الوطيس، واستدارت رحى الحرب بشدة واحتدم القتال وبلغت المعركة قمتها قال: اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً. وبالغ في الابتهال حتى سقط رداؤه عن منكبيه، فرده عليه الصديق وقال: حسبك يا رسول اللَّه، ألححت على ربك.







وأوحى اللَّه إلى ملائكته {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} [الأنفال: 12] وأوحى إلى رسوله {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال: 9] أي أنهم ردف لكم، أو يردف بعضهم بعضاً أرسالاً، لا يأتون دفعة واحدة.





نزول الملائكة:






وأغفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إغفاءة واحدة، ثم رفع رأسه فقال: أبشر يا أبا بكر، هذا جبريل على ثناياه النقع (أي الغبار) وفي رواية محمد بن إسحاق قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر اللَّه، هذا جبريل أخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع.




ثم خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من باب العريش وهو يثب في الدرع ويقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] ثم أخذ حفنة من الحصباء، فاستقبل بها قريشاً وقال: شاهت الوجوه، ورمى بها في وجوههم، فما من المشركين أحد إلا أصاب عينه ومنخريه وفمه من تلك القبضة، في ذلك أنزل اللَّه: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].




الهجوم المضاد:



وحينئذ أصدر إلى جيشه أوامره الأخيرة بالهجمة المضادة فقال: شدوا، وحرضهم على القتال، قائلاً والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله اللَّه الجنة، وقال وهو يحضهم على القتال قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض، (وحينئذ) قال عمير بن الحمام بخ. بخ، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما يحملك على قولك بخ. بخ؟ قال: لا، واللَّه يا رسول اللَّه إلا رجاء أن أكون من أهلها، قال: فإنك من أهلها فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قتل.



وكذلك سأله عوف بن الحارث - ابن عفراء فقال: يا رسول اللَّه ما يضحك الرب من عبده قال: غمسه يده في العدو حاسراً. فنزع درعاً كانت عليه فقذفها ثم أخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل.



وحين أصدر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأمر بالهجوم المضاد كانت حدة هجمات العدو قد ذهبت، وفتر حماسه، فكان لهذه الخطة الحكيمة أثر كبير في تعزيز موقف المسلمين، فإنهم حينما تلقوا أمر الشد والهجوم - وقد كان نشاطهم الحربي على شبابه - قاموا بهجوم كاسح مرير، فجعلوا يقلبون الصفوف ويقطعون الأعناق، وزادهم نشاطاً وحدة أن رأوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول في جزم وصراحة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فقاتل المسلمون أشد القتال، ونصرتهم الملائكة، ففي رواية ابن سعد عن عكرمة قال: كان يومئذ يندر رأس الرجل لا يدري من ضربه، وتندر يد الرجل لا يدري من ضربها، وقال ابن عباس بينما رجل من المسلمين يشتد في إثررجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه، وصوت الفارس يقول أقدم حيزوم، فنظر إلى المشرك أمامه، فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: صدقت، ذلك من مدد السماء الثالثة. وقال أبو داود المازني إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً فقال العباس إن هذا واللَّه ما أسرني، لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق، وما أراه في القوم، فقال الأنصاري أنا أسرته يا رسول اللَّه، فقال: اسكت فقد أيدك اللَّه بملك كريم.




إبليس ينسحب عن ميدان القتال:





ولما رأى إبليس - وكان قد جاء في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي كما ذكرنا، ولم يكن فارقهم منذ ذلك الوقت - فلما رأى ما يفعل الملائكة بالمشركين فر ونكص على عقبيه، وتشبث به الحارث بن هشام - وهو يظنه سراقة - فوكز في صدر الحارث فألقاه، ثم خرج هارباً، وقال له المشركون إلى أين يا سراقة؟ ألم تكن قلت إنك جار لنا، لا تفارقنا؟ فقال: إني أرى ما لا ترون، إني أخاف اللَّه واللَّه شديد العقاب، ثم فر حتى ألقى نفسه في البحر.



الهزيمة الساحقة:





وبدأت أمارات الفشل والاضطراب في صفوف المشركين، وجعلت تتهدم أمام حملات المسلمين العنيفة، واقتربت المعركة من نهايتها، وأخذت جموع المشركين في الفرار والانسحاب المبدد، وركب المسلمون ظهورهم يأسرون ويقتلون حتى تمت عليهم الهزيمة.



صمود أبي جهل:





أما الطاغية الأكبر أبو جهل، فإنه لما رأى أول أمارات الاضطراب في صفوفه حاول أن يصمد في وجه هذا السيل، فجعل يشجع جيشه، ويقول لهم في شراسة ومكابرة لا يهزمنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل عتبة وشيبة والوليد، فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نقرنهم بالحبال، ولا ألفين رجلاً منكم قتل منهم رجلاً، ولكن خذوهم أخذاً حتى نعرفهم بسوء صنيعهم.


ولكن سرعان ما تبدى له حقيقة هذه الغطرسة، فما لبث إلا قليلاً حتى أخذت الصفوف تتصدع أمام تيارات هجوم المسلمين. نعم بقي حوله عصابة من المشركين ضربت حوله سياجاً من السيوف وغابات من الرماح، ولكن عاصفة هجوم المسلمين بددت هذا السياج وأقلعت هذه الغابات، وحينئذ ظهر هذا الطاغية، ورآه المسلمون يجول على فرسه، وكان الموت ينتظر أن يشرب من دمه بأيدي غلامين أنصاريين.




مصرع أبي جهل:





قال عبد الرحمن بن عوف إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت، فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما، إذ قال لي أحدهما سراً من صاحبه يا عم، أرني أبا جهل، فقلت: يا ابن أخي، فما تصنعبه؟ قال: أخبرت أنه يسب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، قال: والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا، فتعجبت لذلك. قال: وغمزني الآخر، فقال لي مثلها، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس فقلت ألا تريان؟ هذا صاحبكما الذي تسألاني عنه، قال: فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه، ثم انصرفا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: أيكما قتله؟ فقال كل واحد منهما أنا قتلته، هل مسحتما سيفيكما؟ فقالا لا فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فقال: كلاكما قتله، وقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح، والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء.


وقال ابن إسحاق قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعت القوم، وأبو جهل في مثل الحرجة - والحرجة الشجر الملتف، أو شجرة من الأشجار لا يوصل إليها، شبه رماح المشركين وسيوفهم التي كانت حول أبي جهل لحفظه بهذه الشجرة - وهم يقولون أبو الحكم لا يخلص إليه، قال: فلما سمعتها جعلته من شأني فصمدت نحوه، فلما أمكنني حملت عليه، فضربته ضربة أطنت قدمه - أطارتها - بنصف ساقه، فواللَّه ما شبهتها حين طاحت إلا بالنواة تطيح من تحت مرضخة النوى حين يضرب بها. قال: وضربني ابنه عكرمة على عاتقي، فطرح يدي، فتعلقت بجلدة من جنبي، وأجهضني القتال عنه، فلقد قاتلت عامة يومي وإني لأسحبها خلفي، فلما آذتني وضعت عليها قدمي، ثم تمطيت بها عليها حتى طرحتها ثم مر بأبي جهل - وهو عقير - معوذ بن عفراء فضربه حتى أثبته فتركه وبه رمق، وقاتل معوذ حتى قتل.



ولما انتهت المعركة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فتفرق الناس في طلبه، فوجده عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وبه آخر رمق، فوضع رجله على عنقه وأخذ لحيته ليحتز رأسه، وقال: هل أخزاك اللَّه يا عدو اللَّه؟ قال: وبماذا أخزاني؟ أأعمد من رجل قتلتموه؟ أو هل فوق رجل قتلتموه؟ وقال: فلو غير أكار قتلني، ثم قال: أخبرني لمن الدائرة اليوم؟ قال: للَّه ورسوله، ثم قال لابن مسعود - وكان قد وضع رجله على عنقه - لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم، وكان ابن مسعود من رعاة الغنم في مكة.



وبعد أن دار بينهما هذا الكلام احتز ابن مسعود رأسه، وجاء به إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال: يا رسول اللَّه، هذا رأس عدو اللَّه أبي جهل، فقال: اللَّه الذي لا إله إلا هو؟ فرددها ثلاثاً، ثم قال: اللَّه أكبر، الحمد للَّه الذي صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، انطلق أرنيه، فانطلقنا فأريته إياه، فقال: هذا فرعون هذه الأمة.




من روائع الإيمان في هذه المعركة:





لقد أسلفنا نموذجين رائعين من عمير بن الحمام وعوف بن الحارث - ابن عفراء - وقد تجلت في هذه المعركة مناظر رائعة تبرز فيها قوة العقيدة وثبات المبدأ ففي هذه المعركة التقى الآباء بالأبناء، والإخوة بالإخوة، خالفت بينهما المبادىء ففصلت بينهما السيوف، والتقى المقهور بقاهره، فشفى منه غيظه.



1.روى ابن إسحاق عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً، لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي أحداً من بني هاشم فلا يقتله، ومن لقي أبا البحتري ابن هشام فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فإنه إنما أخرج مستكرهاً، فقال أبو حذيفة بن عتبة انقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وعشيرتنا ونترك العباس، واللَّه لئن لقيته لألحمنه أو لألجمنه - بالسيف، فبلغت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، فقال لعمر بن الخطاب يا أبا حفص، أيضرب وجه عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسيف، فقال عمر يا رسول اللَّه، دعني فلأضرب عنقه بالسيف، فواللَّه لقد نافق.








فكان أبو حذيفة يقول ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة. فقتل يوم اليمامة شهيداً.



2.وكان النهي عن قتل أبي البحتري، لأَنه كان أكف القوم عن رسول اللَّه صلى اللَّه وهو بمكة، وكان لا يؤذيه ولا يبلغ عنه شيء يكرهه، وكان ممن قام في نقض صحيفة مقاطعة بني هاشم وبني المطلب. ولكن أبا البحتري قتل علي رغم هذا كله، وذلك أن المجذر بن زياد البلوي لقيه في المعركة، ومعه زميل له، يقاتلان سوياً، فقال المجذر يا أبا البحتري إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك، فقال: وزميلي؟ فقال المجذر لا واللَّه ما نحن بتاركي زميلك، فقال: واللَّه إذن لأموتن أنا وهو جميعاً، ثم اقتتلا، فاضطر المجذر إلى قتله.



3.كان عبد الرحمن بن عوف وأمية بن خلف صديقين في الجاهلية بمكة، فلما كان يوم بدر مر به عبد الرحمن، وهو واقف مع ابنه علي بن أمية، آخذاً بيده، ومع عبد الرحمن أدراع قد استلبها، وهو يحملها، فلما رآه قال: هل لك في؟ فأنا خير من هذه الأدراع التي معك، ما رأيت كاليوم قط، أما لكم حاجة في اللبن؟ - يريد أن من أسرني افتديت منه بإبل كثيرة اللبن - فطرح عبد الرحمن الأدراع، وأخذهما يمشي بهما، قال عبد الرحمن قال لي أمية بن خلف وأنا بينه وبين ابنه من الرجل منكم المعلم بريشة النعامة في صدره؟ قلت ذاك حمزة بن عبد المطلب، قال: ذاك الذي فعل بنا الأفاعيل.



قال عبد الرحمن فواللَّه إني لأقودهما إذ رآه بلال معي، وكان أمية هو الذي يعذب بلالاً بمكة، فقال بلال رأس الكفر أمية بن الخلف، لا نجوت إن نجا قلت أي بلال، أَسيري قال: لا نجوت إن نجا. قلت أتسمع يا ابن السوداء. قال: نجوت إن نجا، ثم صرخ بأعلى صوته. يا أنصار اللَّه، رأس الكفر أمية بن خلف، لا نجوت إن نجا، قال: فأحاطوا بنا حتى جعلونا في مثل المسكة، وأنا أذب عنه، قال: فأخلف رجل السيف فضرب رجل ابنه فوقع، وصاح أمية صيحة ما سمعت مثلها قط، فقلت انج بنفسك، ولا نجاء بك، فواللَّه ما أغني عنك شيئاً. قال فهبروهما بأسيافهم حتى فرغوا منهما، فكان عبد الرحمن يقول يرحم اللَّه بلالاً، ذهبت أدراعي، وفجعني بأسيري.



وفي زاد المعاد أن عبد الرحمن بن عوف قال لأمية ابرك، فبرك، فألقى نفسه عليه، فضربوه بالسيف من تحته حتى قتلوه، وأصاب بعض السيف رجل عبد الرحمن بن عوف.



4.وقتل عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه يومئذ خاله العاص بن هشام بن المغيرة.



1.ونادى أبو بكر الصديق رضي اللَّه عنه ابنه عبد الرحمن - وهو يومئذ مع المشركين - فقال: أين مالي يا خبيث؟ فقال عبد الرحمن:



فلم يبق غير شكة ويعبوب وصارم يقتل ضلال الشيب



6.ولما وضع القوم أيديهم يأسرون، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في العريش، وسعد بن معاذ قائم على بابه يحرسه متوشحاً سيفه، رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس، فقال له واللَّه لكأنك يا سعد تكره ما يصنع القوم؟ قال: أجل واللَّه يا رسول اللَّه.



كانت أول وقعة أوقعها اللَّه بأهل الشرك، فكان الإثخان في القتل بأهل الشرك أحب إلي من استبقاء الرجال.



7.وانقطع يومئذ سيف عكاشة بن محصن الأسدي، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأعطاه جذلاً من حطب، فقال: قاتل بهذا يا عكاشة، فلما أخذه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هزه، فعاد سيفاً في يده طويل القامة، شديد المتن أبيض الحديدة، فقاتل به حتى فتح اللَّه تعالى للمسلمين، وكان ذلك السيف يسمى العون، ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد، حتى قتل في حروب الردة وهو عنده.



8.وبعد انتهاء المعركة مر مصعب بن عمير العبدري بأخيه أبي عزيز بن عمير الذي خاض المعركة ضد المسلمين، مر به وأحد الأنصار يشد يده، فقال مصعب للأنصاري: شد يديك به فإن أمه ذات لعلها تفديه منك، فقال أبو عزيز لأخيه مصعب أهذه وصايتك بي؟ فقال مصعب إنه - أي الأنصاري - أخي دونك.



9.ولما أمر بإلقاء جيف المشركين في القليب، وأخذ عتبة بن ربيعة فسحب إلى القليب، نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في وجه ابنه أبي حذيفة، فإذا هو كئيب قد تغير، فقال: يا أبا حذيفة لعلك قد دخلك من شأن أبيك شيء؟ فقال: لا واللَّه، يا رسول اللَّه. ما شككت في أبي ولا مصرعه، ولكنني كنت أعرف من أبي رأياً وحلماً وفضلاً، فكنت أرجو أن يهديه ذلك إلى الإسلام، فلما رأيت ما أصابه، وذكرت ما مات عليه من الكفر بعد الذي كنت أرجو له أحزنني ذلك. فدعا له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخير، وقال له خيراً.





قتلى الفريقين:





انتهت المعركة بهزيمة ساحقة بالنسبة إلى المشركين، وبفتح مبين بالنسبة للمسلمين وقد استشهد من المسلمين في هذه المعركة أربعة عشر رجلاً، ستة من المهاجرين وثمانية من الأنصار.


أما المشركون فقد لحقتهم خسائر فادحة، قتل منهم سبعون وأسر سبعون. وعامتهم القادة والزعماء والصناديد.



ولما انقضت الحرب أقبل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى وقف على القتلى فقال: بئس العشيرة كنتم لنبيكم. كذبتموني وصدقني الناس، وخذلتموني ونصرني الناس، وأخرجتموني وآواني الناس، ثم أمر بهم فسحبوا إلى قليب من قلب بدر.



وعن أبي طلحة أن نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد قريش، فقذفوا في طوى من أطواء بدر خبيث مخبث. وكان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها، ثم مشى، وأتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركى، فجعل يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم، يا فلان بن فلان، يا فلان بن فلان، أيسركم أنكم أطعتم اللَّه ورسوله؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقاً؟ فقال عمر يا رسول اللَّه ما تكلم من أجساد لا أرواح لها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم والذي نفس محمد بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، وفي رواية ما أنتم بأسمع منهم، ولكن لا يجيبون.



مكة تتلقى نبأ الهزيمة:



فر المشركون من ساحة بدر في صورة غير منظمة، تبعثروا في الوديان والشعاب واتجهوا صوب مكة مذعورين، لا يدرون كيف يدخلونها خجلاً.



قال ابن إسحاق وكان أول من قدم بمصاب قريش الحيسمان بن عبد اللَّه الخزاعي، فقالوا: ما وراءك؟ قال: قتل عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وأبو الحكم بن هشام، وأمية بن خلف في رجال من الزعماء سماهم، فلماأخذ يعد أشراف قريش قال صفوان بن أمية وهو قاعد في الحجر واللَّه إن يعقل هذا. فاسألوه عني قالوا: ما فعل صفوان بن أمية قال: ها هو ذا جالس في الحجر، وقد واللَّه رأيت أباه وأخاه حين قتلا.



وقال أبو رافع - مولى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - كنت غلاماً للعباس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم الفضل، وأسلمت، وكان العباس يكتم إسلامه، وكان أبو لهب قد تخلف عن بدر، فلما جاءه الخبر كبته اللَّه وأخزاه، ووجدنا في أنفسنا قوةً وعزاً، وكنت رجلاً ضعيفاً أعمل الأقداح، أنحتها في حجرة زمزم، فواللَّه إني لجالس فيها أنحت أقداحي، وعندي أم الفضل جالسة، وقد سرنا ما جاءنا من الخبر، إذا أقبل أبو لهب يجر رجليه بشر حتى جلس على طنب الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس إذ قال الناس هذا أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قد قدم، فقال له أبو لهب هلم إلي، فعندك لعمري الخبر، قال: فجلس إليه، والناس قيام عليه. فقال: يا ابن أخي أخبرني كيف كان أمر الناس؟ قال: ما هو إلا أن لقينا القوم فمنحناهم أكتافنا، يقتلوننا كيف شاؤوا، ويأسروننا كيف شاؤوا. وايم اللَّه مع ذلك ما لمت الناس، لقينا رجال بيض على خيل بلق بين السماء والأرض، واللَّه ما تليق شيئاً، ولا يقوم لها شيء.



قال أبو رافع فرفعت طنب الحجرة بيدي، ثم قلت تلك واللَّه الملائكة. قال: فرفع أبو لهب يده، فضرب بها وجهي ضربة شديدة، فثاورته، فاح
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shapap.jordanforum.net
القائد الأكبر
The Big Leader
The Big Leader
القائد الأكبر


ذكر عدد المساهمات : 2369
نقاط : 2147488500
تاريخ الميلاد : 25/01/1990
تاريخ التسجيل : 04/02/2011
العمر : 34
البلد : https://shapap.jordanforum.net

 غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Empty
مُساهمةموضوع: رد: غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)    غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Icon_minitimeالجمعة مايو 20, 2011 8:33 pm

غزوة بنى قينقاع



نبذة عن اليهود بالمدينة :



كانت في يثرب منهم ثلاث قبائل مشهورة‏:‏

1 بنو قَيْنُقَاع ‏:‏ وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم داخل المدينة‏.‏
2 بنو النَّضِير‏:‏ وكانوا حلفاء الخزرج، وكانت ديارهم بضواحى المدينة‏.‏
3 بنو قُرَيْظة‏:‏ وكانوا حلفاء الأوس، وكانت ديارهم بضواحى المدينة‏.‏

وهذه القبائل هي التي كانت تثير الحروب بين الأوس والخزرج منذ أمد بعيد، وقد ساهمت بأنفسها في حرب بُعَاث، كل مع حلفائها‏.‏


وطبعًا فإن اليهود لم يكن يرجى منهم أن ينظروا إلى الإسلام إلا بعين البغض والحقد؛ فالرسول لم يكن من أبناء جنسهم حتى يُسَكِّن جَأْشَ عصبيتهم الجنسية التي كانت مسيطرة على نفسياتهم وعقليتهم، ودعوة الإسلام لم تكن إلا دعوة صالحة تؤلف بين أشتات القلوب، وتطفئ نار العداوة والبغضاء، وتدعو إلى التزام الأمانة في كل الشئون، وإلى التقيد بأكل الحلال من طيب الأموال، ومعنى كل ذلك أن قبائل يثرب العربية ستتآلف فيما بينها، وحينئذ لابد من أن تفلت من براثن اليهود، فيفشل نشاطهم التجارى، ويحرمون أموال الربا الذي كانت تدور عليه رحى ثروتهم، بل يحتمل أن تتيقظ تلك القبائل، فتدخل في حسابها الأموال الربوية التي أخذتها اليهود، وتقوم بإرجاع أرضها وحوائطها التي أضاعتها إلى اليهود في تأدية الربا‏.‏

كان اليهود يدخلون كل ذلك في حسابهم منذ عرفوا أن دعوة الإسلام تحاول الاستقرار في يثرب؛ ولذلك كانوا يبطنون أشد العداوة ضد الإسلام، وضد رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أن دخل يثرب، وإن كانوا لم يتجاسروا على إظهارها إلا بعد حين‏.‏


ويظهر ذلك جليًا بما رواه ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية رضي الله عنها قال ابن إسحاق‏:‏ حدثت عن صفية بنت حيي بن أخطب أنها قالت‏:‏ كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما إلا أخذإني دونه‏.‏ قالت‏:‏ فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي؛ حيى بن أخطب، وعمى أبو ياسر بن أخطب مُغَلِّسِين، قالت‏:‏ فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس، قالت‏:‏ فأتيا كَالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهُوَيْنَى‏.‏ قالت‏:‏ فهششت إليهما كما كنت أصنع، فوالله ما التفت إلىَّ واحد منهما، مع ما بهما من الغم‏.‏ قالت‏:‏ وسمعت عمى أبا ياسر، وهو يقول لأبي حيي بن أخطب‏:‏ أهو هو‏؟‏ قال‏:‏ نعم والله، قال‏:‏ أتعرفه وتثبته‏؟‏ قال‏:‏ نعم، قال‏:‏ فما في نفسك منه‏؟‏ قال‏:‏ عداوته والله ما بقيت‏.‏

ويشهد بذلك أيضًا ما رواه البخاري في إسلام عبد الله بن سَلاَم رضي الله عنه فقد كان حبرًا من فطاحل علماء اليهود، ولما سمع بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في بني النجار جاءه مستعجلًا، وألقى إليه أسئلة لا يعلمها إلا نبى، ولما سمع ردوده صلى الله عليه وسلم عليها آمن به ساعته ومكانه، ثم قال له‏:‏ إن اليهود قوم بُهْتٌ، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُونِى عندك، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت اليهود، ودخل عبد الله بن سلام البيت‏.‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أي رجل فيكم عبد الله بن سلام‏؟‏‏]‏ قالوا‏:‏ أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا وفي لفظ‏:‏ سيدنا وابن سيدنا‏.‏ وفي لفظ آخر‏:‏ خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أفرأيتم إن أسلم عبد الله‏؟‏‏]‏ فقالوا‏:‏ أعاذه الله من ذلك ‏[‏مرتين أو ثلاثا‏]‏، فخرج إليهم عبد الله فقال‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، قالوا‏:‏ شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه‏.‏ وفي لفظ‏:‏ فقال‏:‏ يا معشر اليهود، اتقوا الله، فوالله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق‏.‏ فقالوا‏:‏ كذبت‏.‏


ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استطاع عقد معاهدة معهم بعد هجرته للمدينة كانت بنودها كالتالى:


بنود المعاهدة



1- إن يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم، وكذلك لغير بنى عوف من اليهود‏.‏
2-وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم‏.‏
3- وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏.‏
4- وإن بينهم النصح والنصحية، والبر دون الإثم‏.‏
5- وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه‏.‏
6- وإن النصر للمظلوم‏.‏
7- وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏.‏
8-وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة‏.‏
9- وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏
10- وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها‏.‏
11- وإن بينهم النصر على من دَهَم يثرب‏.‏‏.‏ على كل أناس حصتهم من جابنهم الذي قبلهم‏.‏
12- وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم‏.‏

وبإبرام هذه المعاهدة صارت المدينة وضواحيها دولة وفاقية، عاصمتها المدينة، ورئيسها إن صح هذا التعبير رسول الله صلى الله عليه وسلم، والكلمة النافذة والسلطان الغالب فيها للمسلمين‏
غزوة بني قينقاع


قدمنا بنود المعاهدة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع اليهود، وقد كان حريصاً كل الحرص على تنفيذ ما جاء في هذه المعاهدة، وفعلاً لم يأت من المسلمين ما يخالف حرفاً واحداً من نصوصها‏.‏ ولكن اليهود الذين ملأوا تاريخهم بالغدر والخيانة ونكث العهود، لم يلبثوا أن تمشوا مع طبائعهم القديمة، وأخذوا في طريق الدس والمؤامرة والتحريش وإثارة القلق والاضطراب في صفوف المسلمين‏.‏ وهاك مثلاً من ذلك‏:‏


نموذج من مكيدة اليهود‏‏


قال ابن إسحاق‏:‏ مر شاس بن قيس وكان شيخاً ‏[‏يهودياً‏]‏ قد عسا ، عظيم الكفر، شديد الضغن على المسلمين، شديد الحسد لهم على نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوس والخزرج في مجلس قد جمعهم، يتحدثون فيه، فغاظه ما رأي من ألفتهم وجماعتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية، فقال‏:‏ قد اجتمع ملأ بني قَيْلَةَ بهذه البلاد، لا والله ما لنا معهم إذا اجتمع ملؤهم بها من قرار، فأمر فتي شاباً من يهود كان معه، فقال‏:‏ اعمد إليهم، فاجلس معهم، ثم اذكر يوم بُعَاث وما كان من قبله، وأنشدهم بعض ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار، ففعل، فتكلم القوم عند ذلك، وتنازعوا وتفاخروا حتى تواثب رجلان من الحيين على الركب فتقاولا، ثم قال أحدهما لصاحبه‏:‏ إن شئتم رددناها الآن جَذَعَة يعني الاستعداد لإحياء الحرب الأهلية التي كانت بينهم وغضب الفريقان جميعاً، وقالوا‏:‏ قد فعلنا، موعدكم الظاهرة والظاهرة‏:‏ الحَرَّة السلاح السلاح، فخرجوا إليها ‏[‏وكادت تنشب الحرب‏]‏‏.‏

فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم فيمن معه من أصحابه المهاجرين حتى جاءهم فقال‏:‏ ‏‏(‏يا معشر المسلمين، الله الله، أبدعوي الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد أن هداكم الله للإسلام، وأكرمكم به، وقطع به عنكم أمر الجاهلية، واستنقذكم به من الكفر وألف بين قلوبكم‏)‏
فعرف القوم أنها نزغة من الشيطان، وكيد من عدوهم، فبكوا، وعانق الرجال من الأوس والخزرج بعضهم بعضاً، ثم انصرفوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سامعين مطيعين، قد أطفأ الله عنهم كيد عدو الله شاس بن قيس‏.‏
هذا نموذج مما كان اليهود يفعلونه ويحاولونه من إثارة القلاقل والفتن في المسلمين، وإقامة العراقيل في سبيل الدعوة الإسلامية، وقد كانت لهم خطط شتي في هذا السبيل‏.‏ فكانوا يبثون الدعايات الكاذبة، ويؤمنون وجه النهار، ثم يكفرون آخره؛ ليزرعوا بذور الشك في قلوب الضعفاء، وكانوا يضيقون سبل المعيشة على من آمن إن كان لهم به ارتباط مإلى، فإن كان لهم عليه يتقاضونه صباح مساء، وإن كان له عليهم يأكلونه بالباطل، ويمتنعون عن أدائه وكانوا يقولون‏:‏ إنما كان علينا قرضك حينما كنت على دين آبائك، فأما إذ صبوت فليس لك علينا من سبيل‏.‏
كانوا يفعلون كل ذلك قبل بدر على رغم المعاهدة التي عقدوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصبرون على كل ذلك؛ حرصاً على رشدهم، وعلى بسط الأمن والسلام في المنطقة‏.‏


بنو قَينُقَاع ينقضون العهد‏


لكنهم لما رأوا أن الله قد نصر المؤمنين نصراً مؤزراً في ميدان بدر، وأنهم قد صارت لهم عزة وشوكة وهيبة في قلوب القاصي والداني‏.‏ تميزت قدر غيظهم، وكاشفوا بالشر والعداوة، وجاهروا بالبغي والأذي‏.‏

وكان أعظمهم حقداً وأكبرهم شراً كعب بن الأشرف وسيأتي ذكره كما أن شر طائفة من طوائفهم الثلاث هم يهود بني قينقاع، كانوا يسكنون داخل المدينة في حي باسمهم وكانوا صاغة وحدادين وصناع الظروف والأواني، ولأجل هذه الحرف كانت قد توفرت لكل رجل منهم آلات الحرب، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة، وكانوا أشجع يهود المدينة، وكانوا أول من نكث العهد والميثاق من اليهود‏.‏

فلما فتح الله للمسلمين في بدر اشتد طغيانهم، وتوسعوا في تحرشاتهم واستفزازاتهم، فكانوا يثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذي كل من ورد سوقهم من المسلمين حتى أخذوا يتعرضون بنسائهم‏.‏

وعندما تفاقم أمرهم واشتد بغيهم، جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوعظهم ودعاهم إلى الرشد والهدي، وحذرهم مغبة البغي والعدوان، ولكنهم ازدادوا في شرهم وغطرستهم‏.‏
روي أبو داود وغيره، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر، وقدم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع‏.‏ فقال‏:‏ ‏‏(‏يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً‏)‏‏.‏ قالوا‏:‏يا محمد، لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس، وأنك لم تلق مثلنا، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏{‏قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ‏ قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ‏}‏ ‏[‏آل عمران 12، 13‏]‏‏.‏

كان في معني ما أجاب به بنو قينقاع هو الإعلان السافر عن الحرب، ولكن كظم النبي صلى الله عليه وسلم غيظه، وصبر المسلمون، وأخذوا ينتظرون ما تتمخض عنه الليإلى والأيام‏.‏

وازداد اليهود من بني قينقاع جراءة، فقلما لبثوا أن أثاروا في المدينة قلقاً واضطراباً، وسعوا إلى حتفهم بظلفهم، وسدوا على أنفسهم أبواب الحياة‏.‏

روي ابن هشام عن أبي عون‏:‏ أن امرأة من العرب قدمت بجَلَبٍ لها، فباعته في سوق بني قينقاع، وجلست إلى صائغ، فجعلوا يريدونها على كشف وجهها، فأبت، فَعَمَد الصائغ إلى طرف ثوبها فعقده إلى ظهرها وهي غافلة فلما قامت انكشفت سوأتها فضحكوا بها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين على الصائغ فقتله وكان يهودياً فشدت اليهود على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهل المسلم المسلمين على اليهود، فوقع الشر بينهم وبين بني قينقاع‏.‏


الحصار ثم التسليم ثم الجلاء‏‏


وحينئذ عِيلَ صبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستخلف على المدينة أبا لُبَابة بن عبد المنذر، وأعطي لواء المسلمين حمزة بن عبد المطلب، وسار بجنود الله إلى بني قينقاع، ولما رأوه تحصنوا في حصونهم، فحاصرهم أشد الحصار، وكان ذلك يوم السبت للنصف من شوال سنة 2 ه، ودام الحصار خمس عشرة ليلة إلى هلال ذي القعدة، وقذف الله في قلوبهم الرعب فهو إذا أرادوا خذلان قوم وهزيمتهم أنزله عليهم وقذفه في قلوبهم فنزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في رقابهم وأموالهم ونسائهم وذريتهم، فأمر بهم فكتفوا‏.‏
وحينئذ قام عبد الله بن أبي بن سلول بدور نفاقه، فألح على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصدر عنهم العفو، فقال‏:‏ يا محمد، أحسن في موإلى وكان بنو قينقاع حلفاء الخزرج فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكرر ابن أبي مقالته فأعرض عنه، فأدخل يده في جيب درعه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏‏(‏أرسلني‏)‏، وغضب حتى رأوا لوجهه ظُللاً ، ثم قال‏:‏ ‏‏(‏ويحك، أرسلني‏)‏‏.‏ ولكن المنافق مضى على إصراره وقال‏:‏ لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالى أربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود، تحصدهم في غداة واحدة ‏؟‏ إني والله امرؤ أخشي الدوائر‏.‏
وعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المنافق الذي لم يكن مضي على إظهار إسلامه إلا نحو شهر واحد فحسب عامله بالحسنى‏.‏ فوهبهم له، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها، فخرجوا إلى أذْرُعَات الشام، فقل أن لبثوا فيها حتى هلك أكثرهم‏.‏
وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أموالهم، فأخذ منها ثلاث قِسِي ودرعين وثلاثة أسياف وثلاثة رماح، وخمس غنائمهم، وكان الذي تولي جمع الغنائم محمد بن مسلمة‏.‏

غزوة أحد

لم تهدأ ثائرة قريش بعد هزيمتهم المنكرة في غزوة بدر ، وما خلّفه ذلك من مقتل خيرة فرسانها ، وجرحٍ لكرامتها ، وزعزعة لمكانتها بين القبائل ، فأجمعت أمرها على الانتقام لقتلاها ، وألهب مشاعرها الرغبة الجامحة في القضاء على الإسلام وتقويض دولته .
ولم يكن ذلك الدافع الوحيد لاستعادة هيبتها ، إذ كانت تجارة قريش قد تأثّرت بشدّة من الضربات المتكرّرة التي نفّذتها سرايا المؤمنين ، وما قامت به من التعرّض للقوافل التجارية من أجل قطع الإمدادات والمؤن التي كانت تأتيهم من الشام وما حولها ، فكان لذلك أثره في إنهاك قريش وإضعافها .
لهذا وذاك ، قام أبو سفيان في قومه يؤلّب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويجمع القوّات ، حتى بلغ لديه قرابة ثلاثة ألف رجل ومائتي فارس ، من قريش وما حولها من القبائل العربية ، ثم أمر أبو سفيان الجيش بأخذ النساء والعبيد ، حتى يستميت الناس في الدفاع عن أعراضهم ، وانطلقوا ميمّمين وجوههم شطر المدينة .
وهنا أحسّ العباس بن عبدالمطّلب بخطورة الموقف – وكان يومئذٍ مشركاً – فبعث برسالة عاجلةٍ إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخبره فيها بخبر القوم ، ويبيّن له إمكانات الجيش وقدراته الحربية ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الاستيثاق مما ورد في هذه الرسالة ، فأرسل الحُباب بن المنذر بن جموح رضي الله عنه ليستطلع الخبر ، فعاد إليه مؤكّدا ما ورد في الرسالة .
واجتمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأصحابه ، وشاورهم في الخروج من المدينة للقاء العدو ، أو البقاء فيها والتحصّن بداخلها ، فاختار بعضهم البقاء في المدينة ، ومال النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى هذا الرأي ، بناءً على أن جموع قريش لن تقوى على القتال بين الأزقة والطرقات ، ويمكن للنساء والأبناء المشاركة في الدفاع عن المدينة من شرفات البيوت وأسطحها ، كما أنّ التحصّن فيها سيتيح فرصة استخدام أسلحةٍ لها أثرها في صفوف العدوّ كالحجارة ونحوها .
بينما اختار الخروجَ إلى العدوّ الرجالُ المتحمّسون الذين حرموا من شهود يوم بدر ، وتاقت نفوسهم إلى الجهاد في سبيل الله ، وطمعوا في نيل الشهادة ، فألحّوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخرج لقتالهم ، وقالوا له : " يا رسول الله ، كنّا نتمنّى هذا اليوم وندعو الله ، فقد ساقه إلينا وقرب المسير ، اخرج بنا إلى أعدائنا ، لا يرون أنا جبنّا عن لقائهم " ، وأمام هذا الإلحاح لم يجد النبي - صلى الله عليه وسلم - بُدّاً من اختيار هذا الرأي ، فدخل بيته ولبس عدّة الحرب .

ولما أفاقوا من نشوة حماسهم بدا لهم أنهم أكرهوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمر لم يرده ، وشعروا بحرج بالغ ، فتلاوموا فيما بينهم ، وأرسلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمزة بن عبدالمطلب ليعتذر عن ذلك فقال : " يا نبي الله ، إن القوم تلاوموا وقالوا : أَمْرُنا لأمرك تبع " ، لكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى أن من الحزم المضيّ قدماً في اختياره ، فقال : ( إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله ) .

وفي ليلة الجمعة تأهّب الناس للخروج ، واستعدّوا للقتال ، وعيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - من يقوم بحراسة المدينة ، ثم تحرّك الجيش المكوّن من ألف رجل وسلكوا طريقاً مختصراً تمرّ بأرض رجل منافقٍ ضريرٍ يقال له "ربعيّ بن قيظيّ " – وفي رواية " مربع بن قيظيّ " ، فلما أحسّ الرجل بالجيش جعل يحثو التراب في وجوههم ويقول : " لا أحلّ لكم أن تدخلوا حائطي " ، وذُكر أنه أخذ حفنةً من ترابٍ ثم قال : " والله لو أعلم أني لا أصيب بها غيرك يا محمد لضربتُ بها وجهك " ، فتواثب القوم إليه ليقتلوه لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - نَهَرهم وقال : ( لا تقتلوه ؛ فهذا أعمى القلب أعمى البصر ) .

واستمرّ الجيش في مسيره حتى بلغوا بستاناً يُقال له " الشّوط " ، عندها انسحب عبدالله بن أبي بن سلول بحركة ماكرة ومعه ثلث الجيش يريد أن يوهن من عزائم المسلمين ويفتّ في عضدهم ، ويوقع الفرقة في صفوفهم ، مبرّراً ذلك حيناً باستبعاده أن يحدث قتالٌ ، وحيناً باعتراضه على قرار القتال خارج المدينة ، وقائلاً : " أطاعَ الولدانَ ومن لا رأي له ، أطاعهم وعصاني ، علام نقتل أنفسنا ؟ " ، ولقد حاول عبدالله بن حرام رضي الله عنه أن يثنيهم عن عزمهم ، وقال لهم : " يا قوم ، أذكّركم الله أن لا تخذلوا قومكم ونبيّكم عندما حضر عدوّهم " ، فردّوا عليه : " لو نعلم أنكم تقاتلون لما أسْلمناكم ، ولكنّا لا نرى أن يكون قتالٌ " ، وسجل القرآن هذه الأحداث في قوله تعالى : { وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين ، وليعلم الذين نافقوا وقيل لهم تعالوا قاتلوا في سبيل الله أو ادفعوا قالوا لو نعلم قتالا لاتبعناكم هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم والله أعلم بما يكتمون } ( آل عمران : 166 - 167 ) .

وكاد هذا الموقف أن يؤثر على المؤمنين من بني سلمة وبني حارثة فيتبعوهم ، ولكن الله عصمهم بإيمانهم ، وأنزل فيهم قوله : { إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليّهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون } ( آل عمران : 122 ) .

وفي يوم السبت وصل الجيش إلى جبل أحد وعسكر هناك ، واختار النبي - صلى الله عليه وسلم - أرض المعركة ، وقام بتقسيم أفراد الجيش إلى ثلاث كتائب : كتيبة المهاجرين بقيادة مصعب بن عمير رضي الله عنه ، وكتيبة الأوس بقيادة أُسيد بن حضير رضي الله عنه ، وكتيبة الخزرج يحمل لواءها الحُباب بن المنذر رضي الله عنه ، وردّ النبي - صلى الله عليه وسلم - صغار السنّ ومنعهم من المشاركة ، وبلغوا أربعة عشر غلاماً كما يذكر علماء السيرة ، ولم يستثن من الصغار سوى رافع بن خديج رضي الله عنه لبراعته في الرمي ، و سمرة بن جندب رضي الله عنه لقوّته الجسديّة .

ثم عرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أصحابه فانتخب منهم خمسين رامياً ، وأمّر عليهم عبدالله بن جُبير رضي الله ، وجعلهم على جبل يُقال له " عينيْن " يقابل جبل أحد ، وقال لهم : ( إن رأيتمونا تخْطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هَزَمْنا القوم فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، وانضحوا عنا بالنبل لا يأتونا من خلفنا ، إنا لن نزال غالبين ما ثبتم مكانكم ) ، ثم تقدّم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الصفوف فسوّاها ، ووضع أشدّاء المؤمنين في مقدّمتهم ، وقال : ( لا يُقاتلنّ أحدٌ حتى نأمره بالقتال ) .

وفي هذه الأثناء حاول أبو سفيان أن يُحدث شرخاً في صفوف المؤمنين ، فعمد إلى الأنصار قائلا : " خلّوا بيننا وبين ابن عمّنا ؛ فننصرف عنكم ، ولا حاجة لنا بقتالكم " ، فقبّحوا كلامه وردّوا عليه بما يكره ، فجاء رجلُ يُقال له " أبو عامر الراهب " من أهل المدينة ، فأراد أن يثنيهم عن حرب قريش فقال : " يا معشر الأوس ، أنا أبو عامر " فقالوا له : " فلا أنعم الله بك عيناً يا فاسق " ، فلما سمعهم قال : " لقد أصاب قومي بعدي شرٌّ " .
وبدأت المعركة بمبارزة فريدة تبعها التحام بين الصفوف ، واشتدّ القتال ، وحمي الوطيس ، وكان شعار المسلمين يومئذٍ : أمِتْ أمِتْ ، وأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - سيفاً له وقال : ( من يأخذ هذا السيف ؟ ) فبسطوا أيديهم يريدون أخذه ، فقال : (من يأخذه بحقه ؟ ) ، فأحجم القوم ، فقال أبو دجانة رضي الله عنه أنا آخذه يا رسول الله بحقه ، فما حقه ؟ ، فقال له : ( أن لا تقتل به مسلماً ، ولا تفرّ به عن كافر ) ، فدفعه إليه ، فربط على عينيه بعصابة حمراء ويجعل يمشي بين الصفين مختالاً في مشيته ، قائلاً :

أنا الذي عاهدني خليلي *** ونحن بالسفح لدى النخيل
ألا أقوم الدهر في الكيول *** أضرب بسيف الله والرسول

فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع ) ، يقول رواة السيرة : " فأخذ السيف فجعل يقتل به المشركين حتى انحنى " .

وبدأت ملامح النصر تظهر من خلال المواقف البطوليّة التي أظهرها المسلمون واستبسالهم في القتال ، ومع تقهقر قريش وفرارهم أوّل الأمر ظنّ الرماة انتهاء المعركة ، ورأوا ما خلّفته من غنائم كثيرة فتحركت نفوسهم طمعاً في نيل نصيبهم منها ، فتنادوا قائلين : " الغنيمةَ أيها القوم ، الغنيمةَ ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ " ، فقال أميرهم عبد الله بن جبير : " أنسيتم ما قال لكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، فلم يلتفتوا إليه وقالوا : " والله لنأتين الناس فلنصيبنّ من الغنيمة " فغادروا أماكنهم متجهين صوب الوادي .

ووجد خالد بن الوليد في ذلك فرصةً سانحة كي يدير دفّة المعركة لصالح المشركين ، وبالفعل انطلق مع مجموعة من الفرسان ليلتفّوا حول المسلمين ويحيطوا بهم من كلا الطرفين ، ففوجئ المسلمون بمحاصرتهم ، واستحرّ القتل فيهم ، وفرّ منهم من فرّ ، وتساقط الكثير منهم جرحى ، وفي هذه الأثناء انقطع الاتصال برسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

وكان في المشركين رجلٌ يُقال له " ابن قمئة " عَمِدَ إلى مصعب بن عمير رضي الله عنه فأجهز عليه ، وشبه مصعباً بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فجعل الرجل يصيح : " قد قتلتُ محمداً " ، وسرت هذه الإشاعة بين الناس سريعاً ، فتفرّق المسلمون ، وقعد بعضهم عن القتال وقد أذهلتهم المفاجأة ، في حين استطاع الآخرون أن يثوبوا إلى رشدهم ، ويطلبوا الموت على ما مات عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، منهم أنس بن النضر رضي الله عنه ، والذي لقي الله وفي جسده بضعٌ وثمانون ما بين ضربة سيفٍ ، أو طعنة رمح ، أو رمية سهم ، حتى إن أخته لم تتعرّف عليه إلا بعلامة كانت بإبهامه ، وأنزل الله فيه وفي أمثاله : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا } ( الأحزاب : 23 ) .

وبينما كان المسلمون في محنتهم تلك ، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يواجه الموت ، فقد خلُص إليه المشركون فكسروا أنفه وسِنّه ، وشجّوا وجهه الشريف حتى سالت منه الدماء ، فجعل يمسح الدم عنه ويقول : ( كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم ؟ ) .

وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الأمور لن تعود إلى نصابها إلا بكسر هذا الطوق المحكم الذي ضربه المشركون ، فصعد إلى الجبل ومعه ثُلّة من خيرة أصحابه ، واستبسلوا في الدفاع عنه ، وخلّد التاريخ قتال أبي طلحة رضي الله عنه حتى شُلّت يمينه وأثخنته الجراح ، ووقفة نسيبة بنت كعب رضي الله عنها وهي ترمي بالقوس تدافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتصدّي سعد بن أبي وقّاص للذود عنه ورميه للمشركين بالنبال ، وحماية أبي دجانة للنبي - صلى الله عليه وسلم - حيث جعل نفسه ترساً له عليه الصلاة والسلام حتى تكاثرت السهام على ظهره .

ومضى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من أصحابه يشقّون الطريق نحو المشركين ، فأبصره كعب بن مالك رضي الله عنه فنادى بأعلى صوته : " يا معشر المسلمين ، أبشروا فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ، فأسكته النبي - صلى الله عليه وسلم - لئلا يتفطّن إليه المشركون ، لكن الخبر كان قد وصل إلى المسلمين ، فعاد إليهم صوابهم ، وارتفعت معنويّاتهم ، لتعود المعركة أشدّ ضراوة من قبل ، وأقبل أبي بن خلف على فرس له هاتفاً بأعلى صوته : " أين محمد ؟ لا نجوت إن نجا " ، فهبّ إليه قومٌ ليقتلوه ، لكن النبي - صلى الله عليه وسلم - منعهم من ذلك ، ولما اقترب منه طعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ترقوته ، فاحتقن الدم فيه ، وجعل يصيح ويقول : قتلني والله محمد ، فقال له المشركون : ما بك من بأس ، فقال : " والله لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا أجمعين " ، فلم يلبث قليلاً حتى مات .

وكان الأصيرم - عمرو بن أقيش- يأبى الإسلام ، فلما كان يوم أحد ، قذف الله الإسلام في قلبه ، فأسلم وأخذ سيفه ، فقاتل ، حتى أُثخن بالجراح ، ولم يعلم أحد بأمره ، فوجده قومه وبه رمق يسير ، فقالوا : والله إن هذا الأصيرم ، ثم سألوه : " ما الذي جاء بك ؟ أنجدةً لقومك ، أم رغبة في الإسلام ؟ " ، فقال : " بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله وبرسوله وأسلمت " ، ومات من وقته ، فذكروه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فشهد له بالجنة ، ولم يصل لله سجدة قط .

وعلم الله ما بعباده من الهم والغمّ ، والخوف والألم ، فأنزل عليهم نعاساً ناموا فيه وقتاً يسيراً ، ثم أفاقوا وقد زالت عنهم همومهم ، وفي ذلك يقول الله عزوجل : { ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم } ( آل عمران : 154 ) ،

يقول أبو طلحة رضي الله عنه واصفاً تلك الحال : " كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد ، حتى سقط سيفي من يدي مراراً ، يسقط وآخذه ، ويسقط فآخذه " .


كم كان عدد المسلمين في غزوة أحد

فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد بجيشه، فلما صار بالشوط بين المدينة وأحد رجع رأس المنافقين عبد الله بن أبي بنحو ثلث العسكر، وذكر ابن القيم في زاد المعاد أنه بقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انخذل ابن أبي وأصحابه سبعمائة فيهم خمسون فارساً.

وفي هذه المعركة كانت الدائرة في أولها للمسلمين، لكن لما خالف الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونزلوا من أماكنهم التف المشركون على المسلمين فكسروهم وهزموهم بسبب ذنوبهم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى: قد تصيب المؤمنين بالله رسوله مصائب بسبب ذنوبهم، لا بما أطاعوا فيه الله والرسول، كما لحقهم يوم أحد بسبب ذنوبهم، لا بسبب طاعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم. انتهى

وقد كان في انكسار المسلمين في تلك المعركة دروس وحكم منها: ابتلاء المؤمنين، وتمحيص إيمانهم، وليعلموا أن المسلم في نصرته لدين الله يدال له ويدال عليه، وليتخذ الله شهداء من المؤمنين، وليميز الله المنافقين، ويمحق الكافرين، وقد أنزل الله ذلك في كتابه قائلاً: (وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ* وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا) [آل عمران: 166-167].
وقال سبحانه وتعالى: (إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) [آل عمران:140].

فكما أن انتصار المسلمين في بدر كان خيراً ورحمة، فكذلك انكسارهم في أحد كان خيراً ورحمة.

قال ابن تيمية في الفتاوى: كما أن نصر الله للمسلمين يوم بدر كان رحمة ونعمة، وهزيمتهم يوم أحد كانت نعمة ورحمة على المؤمنين.
غزوة أحد


بينا فيما سبق كيف أختار رسول الله صلي الله عليه و سلم أرض المعركة و الرماة و كيف قام بتقسيم أفراد الجيش و المواقف البطوليّة التي أظهرها المسلمون واستبسالهم و ما ترتب علي مخالفة الرماة لأوامر رسول الله صلي الله عليه و سلم....

و فيما يلي نبين الدروس المستفادة من غزوة أحد و الأحداث بعد أحد:

غزوة أحد و الدروس المستفادة منها

بعد الانتصار الذي حققه المسلمون في غزوة بدر ، شاء الله أن يمتحن عباده المؤمنين، ليميز الصادقين من المنافقين ، فكانت غزوة أحد التي حصل فيها ما حصل للرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من الصحابة ، وأنزل الله على إثرها آيات تتلى إلى يوم الدين ، فنزلت ثمان وخمسون آية من سورة آل عمران ، تتحدث عن هذه الغزوة ، ابتدأت بذكر أول مرحلة من مراحل الإعداد للمعركة في قوله تعالى : {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال } ( آل عمران 121) ، وانتهت بالتعليق الجامع على نتائج المعركة ، والحكم التي أرادها الله منها فقال سبحانه : { ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب } ( آل عمران 179) .
لقد وصفت هذه الآيات المعركة وصفاً دقيقاً ، وسلطت الضوء على خفايا النفوس ، ودخائل القلوب ، وكان فيها تربية للأمة في كل زمان ومكان ، ودروساً تتوارثها الأجيال تلو الأجيال ، وهذه لمحة خاطفة عن بعض الفوائد والحكم الربانية المستفادة من هذه الغزوة العظيمة .
ففي غزوة أحد ظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة ، فبسبب معصية واحدة خالف فيها الرماة أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وبسب التنازع والاختلاف حول الغنائم ، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه ، ولاحت بوادره ، فقال سبحانه : { ولقد صدقكم الله وعده إذ تحُسُّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم } ( آل عمران 152 )، فكيف ترجو أمة عصت ربها ، وخالفت أمر نبيها ، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه ؟.
وهذه الغزوة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة ، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قال ابن مسعود : " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } " ، وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفى عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.
ومن الحكم إكرام الله بعض عباده بنيل الشهادة ، التي هي من أعلى المراتب والدرجات ، فأراد عز وجل أن يتخذ من عباده شهداء تراق دماؤهم في سبيله ، ويؤثرون محبته ورضاه على نفوسهم ، قال سبحانه : { ويتخذ منكم شهداء } ( آل عمران : 140 ) .
وفي غزوة أحد تأكيد لسنة الله في الصراع بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، فقد جرت سنة الله في رسله وأتباعهم أن تكون الحرب سجالاً بينهم وبين أعدائهم ، فيدالوا مرة ويدال عليهم أخرى ، ثم تكون لهم العاقبة في النهاية ، ولئن انتفش الباطل يوماً وكان له صولات وجولات ، إلا أن العاقبة للمتقين ، والغلبة للمؤمنين ، فدولة الباطل ساعة ودولة الحق إلى قيام الساعة ، سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا .
والجنة عزيزة غالية لا تُنال إلا على جسر من المشاق والب ، والنصر الرخيص السهل لا يدوم ، ولا يدرك الناس قيمته ، ولذلك قال الله : { أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ( آل عمران 142) .
ولا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، فقد ظاهر النبي صلى الله عليه وسلم بين درعين ، ولبس لأْمَة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل .
ومن فوائد غزوة أحد تمحيص المؤمنين وتمييزهم عن المنافقين ، ومحق الكافرين باستحقاهم غضب الله وعقابه ، وقد جمع الله ذلك كله في قوله : {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ، إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله ، وتلك الأيام نداولها بين الناس ، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء ، والله لا يحب الظالمين ، وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين } ( آل عمران 139 - 140 ) إلى غير ذلك من الحكم والفوائد الكثيرة التي لا يتسع المقام لذكرها .
فهذه الغزوة العظيمة تعد نموذجاً حياً لما يمر به المسلمون اليوم من محن وشدائد ، فما أحرانا أن نقف عندها ، ونستفيد من دروسها وعبرها ، وما أحوج الأمة وهي تمر بهذه المرحلة الحرجة في تاريخها ، أن تراجع نفسها ، وتستعيد ذاكرتها ، وتعي سيرة نبيها صلى الله عليه وسلم.

الأحداث بعد غزوة أحد


" قد قتلتُ محمداً "...." قوموا فموتوا على ما مات عليه رسول الله " ..." يا معشر المسلمين ، أبشروا فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيّ "... ( كيف يفلح قوم شجّوا نبيّهم ؟ ) ...ظلّت هذه العبارات محفورةً في نفوس المؤمنين ، لتعيد إليهم ذكريات المعركة القاسية ، وتزيد من آلامهم وتجدّد عليهم أحزانهم ، فها هم اليوم يذوقون طعم الهزيمة الذي لم يألفوه ، وها هم يخرجون من المعركة بأجسادٍ أثقلتها الجراح وأجهدها التعب ، ونفوسٍ آلمتها الهزيمة وأنهكتها المعاناة ، ناهيك عن فقد الأحبّة ، ومشاهد القتلى هنا وهناك .
ويقابل ذلك مشهد قريشٍ وهي تحتفل بنصرها الذي حقّقته ، بعد أن ربحت هذه الجولة من صراعها الطويل ضد الإسلام والمسلمين ، راجيةً أن تكون هذه المعركة بداية السقوط لأعدائهم وخصومهم .
وفي غمرة هذه النشوة بالانتصار ، والتهيّؤ للعودة إلى مكّة ، انطلق أبو سفيان إلى معسكر المسلمين ليتحقّق من موت خصومه ، ويتفقّد نتائج المعركة ، ولم يعلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بينهم ، فسألهم إن كان محمدٌ حيّاً ، فنهاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إجابته ، فعاد يسأل إن كان أبوبكر رضي الله عنه بينهم ، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تجيبوه ) ، ثم سأل عن عمر بن الخطاب ولم يجبه أحد ، فظنّ أنهم قد قُتلوا جميعاً ، فاشتدّ فرحه لذلك وقال : " إنّ هؤلاء قتلوا ، فلو كانوا أحياءً لأجابوا " ، عندئذٍ لم يتمالك عمر رضي الله عنه نفسه ، فردّ عليه : " يا عدو الله ، إن الذين ذكرتهم أحياء ، وقد أبقى الله لك ما يسوؤك " ، فاشتدّ غيظ أبي سفيان من هذه الإجابة ، وأطلق هتافات التمجيد لأصنامه وآلهته قائلاً : " اعلُ هُبل " ، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجيبوه بقولهم : " الله أعلى وأجلّ " ، فقال أبو سفيان : " لنا العُزّى ولا عُزّى لكم " ، فردّوا عليه : " الله مولانا ولا مولى لكم " ، فعاود المحاولة ، وذكّرهم بأن انتصار قريشٍ في هذه المعركة يقابل انتصارهم يوم بدر ، فصاح عمر قائلاً : " قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار " ، ولم يجد أبو سفيان ما يقوله ، فعاد إلى قومه خائباً.
وبعدها ذهب النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتفقّد أحوال الجرحى والشهداء ، فرأى ثُلّة من خيرة أصحابه قد فاضت أرو....م إلى خالقها ، فقال فيهم وفي أمثالهم : ( أشهد على هؤلاء ، ما من مجروح يجُرح في الله عز وجل إلا بعثه الله يوم القيامة ، وجرحه تجري دماً : اللون لون الدم ، والريح ريح المسك ) رواه أحمد ، وأنزل الله تعالى قوله : { ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون } ( آل عمران : 169 ) .
وافتقد النبي – صلى الله عليه وسلم - سعد بن الربيع فأرسل إليه رجلاً من الأنصار لينظر في حاله ، فوجده جريحاً قد طٌعن اثنتي عشرة طعنةً وهو يحتضر ، فطلب منه سعد أن يبلّغ السلام لرسول الله – صلى الله عليه وسلم- ، وأن يوصل رسالةً إلى قومه بأن يتفانوا في الدفاع عن رسول الله ، ثم فاضت روحه بعد ذلك .
وكان من بين الجرحى الأصيرم - عمرو بن ثابت - وهو رجلٌ مشهور بعداوته للإسلام ، فلما رآه الصحابة تعجبّوا ، وذهبوا إليه يسألونه عن سبب مشاركته في القتال ، وهل كانت مجرّد حماسةٍ للدفاع عن قومه أم أنها نابعةٌ عن إيمانٍ ويقين ؟ ، فقال : " بل رغبة في الإسلام ، آمنت بالله ورسوله وأسلمت ، ثم أخذتُ سيفى فغدوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقاتلت حتى أصابني ما أصابني " ، ثم لم يلبث أن مات بين أيديهم ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنه لمن أهل الجنة ) رواه أحمد .
وأُتي النبي – صلى الله عليه وسلم - بمصعب بن عمير ، وقد قُطعت يداه ، فقرأ قوله تعالى : { من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديل } ( الأحزاب : 23 ) ، وبحث له الصحابة عن كفنٍ فلم يجدوا غير كساءٍ قصير ، إذا غطّوا به قدميه ظهر رأسه ، وإذا غطّوا به رأسه بدت قدماه ، فأمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغطّوا به رأسه ويجعلوا على قدميه شيئاً من نبات الإذخر .
ووُجد بين الشهداء حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه ، الذي كان عروساً تلك الليلة ، وسمع نداء الجهاد ، فخرج قبل أن يغتسل ، وقاتل حتى قُتل ، فقال فيه النبي – صلى الله عليه وسلم - : ( إن صاحبكم لتغسّله الملائكة ) رواه البيهقي ، ومن ذلك اليوم وهو يُلقّب ب : " غسيل الملائكة " .
ثم أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -بجمع الشهداء لدفنهم ، فكان يدفن الاثنين والثلاثة في القبر الواحد دون أن يُغسّلهم أو يصلي عليهم ، وربّما جمع الرجلين في ثوبٍ واحد ، ويقدّم في اللّحد أكثرهم قراءةً للقرآن ، كما فعل مع عبدالله بن عمرو بن حرام وعمرو بن الجموح رضي الله عنهما ؛ لما بينهما من المحبّة .
وجاءت أشدّ اللحظات قسوةً على - النبي صلى الله عليه وسلم - ، وهي لحظة رؤية عمّه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه وقد شوّه المشركون جسده وقطّعوا أطرافه ، على نحوٍ يعكس الوحشيّة والهمجيّة التي كانت عليها قريش .
مشهدٌ مريرٌ تتضاءل أمامه كل الأهوال التي مرّت في ثنايا المعركة ، فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - بكاء شديدا لم ير الصحابة له مثيلاً .
ولما هدأت نفسه النبي التفت إلى أصحابه قائلاً : ( لولا أن تحزن صفية ، ويكون سنّة من بعدي ، لتركته حتى يبعثه الله في بطون السباع والطير ) رواه الدارقطني .
وأقبلت صفيّة بنت عبد المطلب رضي الله عنها تتفقّد أحوال أخيها حمزة ، فكره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ترى ما أصابه فلا تتمالك نفسها ، فأرسل إليها ولدها الزبير بن العوام كي يمنعها ، ولكنها ردّت عليه قائلة : " ولم ؟ ، وقد بلغني ما فُعل به ، لأحتسبنّ ولأصبرنّ إن شاء الله " ، وعاد الزبير إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبره بجوابها ، فأذن لها برؤيته .
ولم تجزع صفيّة عند رؤية أخيها ، بل صبرت وتحمّلت ، وجعلت تردّد : " إنا لله وإنا إليه راجعون " ، ثم أخرجت ثوبين جاءت بهما لتكفينه ، يقول عبدالله بن الزبير : " فجئنا بالثوبين لنكفّن فيهما حمزة ، فإذا بجانبه قتيلٌ من الأنصار قد فُعل به كما فُعل بحمزة ، فاستحيينا أن نكفّن حمزة في ثوبين والأنصاري لا كفن له ، فقلنا : لحمزة ثوب وللأنصاري ثوب ، فكفنّا كل واحد منهما في ثوب " .
وهذا الصبر الذي لمسناه من صفيّة رضي الله عنها قد تكرّر عند مثيلاتها ممّن أُصبن بمصابها ، فقد روت كتب السيرة قصة المرأة التي استُشهد زوجها وأخوها وأبوها في تلك المعركة ، فلما علمت بمقتلهم لم تُلق لذلك بالاً ، وكان أكبر همّها أن تطمئنّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجعلت تسأل الناس : " ما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ " حتى قيل لها : " هو بحمد الله كما تحبّين " ، فلم تطمئن لذلك ، وأصرّت على رؤيته ، فلما رأته طابت نفسها .
ومثلها أم سعد بن معاذ رضي الله عنهما حين خشيت أن يكون الأذى قد لحق برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فانطلقت إليه مسرعة ، ولما رأته حيّاً معافى أظهرت فرحها بسلامته ، فعزّاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في ولدها عمروبن معاذ وبشّرها ، ودعا لها بحسن الخلف .
وهكذا انتهت غزوة أحد بآلامها وبها ، ولم تكن خاتمة المطاف في صراع الإيمان والكفر ، والمواجهة بين الحق والباطل ، وإنما كانت حلقةً ضمن حلقاتٍ طويلة ، خاضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سبيل الدعوة إلى الله ، وتثبيت دعائم الدولة الإسلامية.
غزوة حمراء الأسد‏
بات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يفكر فقد كان يخشي أن المشركين إن فكروا في أنهم لم يستفيدوا شيئاً من النصر والغلبة التي كسبوها في ساحة القتال، فلا بد من أن يندموا على ذلك، ويرجعوا من الطريق لغزو المدينة مرة ثانية قال أهل المغازي ما حاصله‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وسلم نادي في الناس، وندبهم إلى المسير إلى لقاء العدو وذلك صباح الغد من معركة أحد، أي يوم الأحد الثامن من شهر شوال سنة 3 ه وقال‏:‏ ‏‏(‏لا يخرج معنا إلا من شهد القتال‏)‏، ، واستجاب له المسلمون على ما بهم من الجرح الشديد، والخوف المزيد، وقالوا‏:‏ سمعاً وطاعة‏.‏ واستأذنه جابر بن عبد الله، وقال‏:‏ يا رسول الله، إني أحب ألا تشهد مشهداً إلا كنت معك، وإنما خلفني أبي على بناته فائذن لي أسير معك، فأذن له‏.‏
وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة، فعسكروا هناك‏.‏

وهناك أقبل مَعْبَد بن أبي معبد الخزاعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم ويقال‏:‏ بل كان على شركه، ولكنه كان ناصحاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بين خزاعة وبني هاشم من الحلف فقال‏:‏ يا محمد، أما والله لقد عز علينا ما أصابك في أصحابك، ولوددنا أن الله عافاك‏.‏ فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلحق أبا سفيان فَيُخَذِّلَه‏.‏

ولم يكن ما خافه رسول الله صلى الله عليه وسلم من تفكير المشركين في العودة إلى المدينة إلا حقاً، فإنهم لما نزلوا بالروحاء على بعد ستة وثلاثين ميلاً من المدينة تلاوموا فيما بينهم، قال بعضهم لبعض‏:‏لم تصنعوا شيئاً، أصبتم شوكتهم وحدهم، ثم تركتموهم، وقد بقي منهم رءوس يجمعون لكم، فارجعوا حتى نستأصل شأفتهم‏.‏

ويبدو أن هذا الرأي جاء سطحياً ممن لم يكن يقدر قوة الفريقين ومعنوياتهم تقديراً صحيحاً ؛ ولذلك خالفهم زعيم مسئول ‏[‏صفوان بن أمية‏]‏ قائلاً‏:‏ يا قوم، لاتفعلوا فإني أخاف أن يجمع عليكم من تخلف من الخروج أي من المسلمين في غزوة أحد فارجعوا والدولة لكم، فإني لا آمن إن رجعتم أن تكون الدولة عليكم‏.‏ إلا أن هذا الرأي رفض أمام رأي الأغلبية الساحقة، وأجمع جيش مكة على المسير نحو المدينة‏.‏ ولكن قبل أن يتحرك أبو سفيان بجيشه من مقره لحقه معبد بن أبي معبد الخزاعي ولم يكن يعرف أبو سفيان بإسلامه، فقال‏:‏ ما وراءك يا معبد‏؟‏ فقال معبد وقد شن عليه حرب أعصاب دعائية عنيفة‏:‏ محمد قد خرج في أصحابه، يطلبكم في جمع لم أر مثله قط، يتحرقون عليكم تحرقاً، قد اجتمع معه من كان تخلف عنه في يومكم، وندموا على ما ضيعوا، فيهم من الحنق عليكم شيء لم أر مثله قط‏.‏

قال أبو سفيان‏:‏ ويحك، ما تقول‏؟‏
قال‏:‏ والله ما أري أن ترتحل حتى تري نواصي الخيل أو حتى يطلع أول الجيش من وراء هذه الأكمة‏.‏
فقال أبو سفيان‏:‏ والله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصلهم‏.‏
قال‏:‏ فلا تفعل، فإني ناصح‏.‏

وحينئذ انهارت عزائم الجيش المكي وأخذه الفزع والرعب، فلم ير العافية إلا في مواصلة الانسحاب والرجوع إلى مكة، بيد أن أبا سفيان قام بحرب أعصاب دعائية ضد الجيش الإسلامي، لعله ينجح في كف هذا الجيش عن مواصلة المطاردة، وطبعاً فهو ينجح في تجنب لقائه‏.‏ فقد مر به ركب من عبد القيس يريد المدينة، فقال‏:‏ هل أنتم مبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيبًا بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة‏؟‏

قالوا‏:‏ نعم‏.‏
قال‏:‏ فأبلغوا محمداً أنا قد أجمعنا الكرة ؛ لنستأصله ونستأصل أصحابه‏.‏
فمر الركب برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم بحمراء الأسد، فأخبرهم بن أبي‏:‏ أركب معك‏؟‏ قال‏:‏ ‏‏( بالذي قال له أبو سفيان، وقالوا‏: ‏ ‏{‏إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ‏}‏ أي زاد المسلمين قولهم ذلك ‏{‏إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏}‏‏[‏آل عمران‏:‏ 173، 174‏]‏‏.‏

أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمراء الأسد بعد مقدمه يوم الأحد الإثنين والثلاثاء والأربعاء 9، 10، 11 شوال سنة 3 ه....
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shapap.jordanforum.net
القائد الأكبر
The Big Leader
The Big Leader
القائد الأكبر


ذكر عدد المساهمات : 2369
نقاط : 2147488500
تاريخ الميلاد : 25/01/1990
تاريخ التسجيل : 04/02/2011
العمر : 34
البلد : https://shapap.jordanforum.net

 غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Empty
مُساهمةموضوع: رد: غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)    غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Icon_minitimeالجمعة مايو 20, 2011 8:37 pm

سرية أبي سلمة‏

أول من قام ضد المسلمين بعد نكسة أحد هم بنو أسد بن خزيمة، فقد نقلت الأخبار إلي المدينة أن طلحة وسلمة ابني خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعون بني أسد بن خزيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فسارع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعث سرية قوامها مائة وخمسون مقاتلاً من المهاجرين والأنصار، وأمر عليهم أبا سلمة، وعقد له لواء‏.‏ وباغت أبو سلمة بني أسد بن خزيمة في ديارهم دون قتال قبل أن يقوموا بغارتهم، فتشتتوا في الأمر، ، وعادوا إلى المدينة سالمين غانمين لم يلقوا حرباً‏.‏
كان مبعث هذه السرية حين استهل هلال المحرم سنة 4 ه‏.‏ وعاد أبو سلمة وقد نفر عليه جرح كان قد أصابه في أحد، فلم يلبث حتى مات‏.‏


سرية عبد الله بن أٌنيس

وكانت في الخامس من المحرم سنة 4ه بعد سرية أبي سلمة ، وكان الهدف منها لفت نظر العدو إلى قوة المسلمين، وإحباط مخططاته، حيث تبادر إلى أسماع المسلمين أنّ خالد بن سفيان الهذلي يجمع المقاتلة من هذيل في عرفات من أجل غزو المدينة، مظاهرةً للمشركين، ومعاداة للمؤمنين، وطمعاً في خيرات المدينة.
فبادر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخماد تلك المؤامرة في عقر دارها، وكلف الصحابي الجليل عبد الله بن أنيس الجهني بالقيام بتلك المهمة، فانطلق عبد الله حتى أتى خالد بن سفيان ، وتعرف على صفته التي نعته بها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أوهمه أنّه جاء للانضمام إليه، فلما تمكن منه حمل عليه بسيفه، فأرداه قتيلاً، وعاد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما فعل، فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاه عصاه إكراماً له، ولتكون علامة بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

و يستفاد من هذه الحادثة:
دقة الرصد الحربي عند الرسول وأصحابه، ومتابعة تحركات العدو ومؤامراته، وضرورة مباغتته في عقر داره، وفراسته صلى الله عليه وسلم في اختيار الرجال، وتكليف كلٍّ بما يتناسب وقدراته، فقد اختار عبد الله لهذه المهمة لما يتمتع به من قوة قلب، وثبات جنان، ورسوخ يقين، إلى جانب ما يمتاز به من معرفة بمواطن القبائل لمجاورتها ديار قومه "جهينة".
وهكذا استطاع المسلمون بإخلاص جهادهم في سبيل الله أن يبثّوا الرعب في قلوب الأعداء، ويشعروهم بقوة إيمانهم ورسوخ عقيدتهم، ويضطروهم إلى المسالمة، وعدم الاعتداء.
بعث الرجيع



كانت بعض قبائل العرب تريد الثأر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بطريقة غير مألوفة، وهو أسلوب الغدر والخيانة، وبدا ذلك على قبيلة هذيل التي سعت بجهدها للثأر من المسلمين، فلجأت إلى إرسال قبيلتي عضل والقارة إلى رسول الله ليطلبوا منه من يخرج معهم من دعاة الإسلام، وجعلت قبيلة هذيل لتلك القبيلتين جُعلاً لهم إن هم حققوا الهدف المنشود وهو الغدر والخديعة.
فعندما وصلت تلك القبيلتين إلى المدينة ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: " إن فينا إسلاماً، فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا ويقرئوننا القرآن، ويعلمونا شرائع الإسلام " .
فاستجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لطلبهم، وأرسل معهم عشرة من الصحابة، وأمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه، فلما وصل الصحابة إلى الرجيع - وهو موضع ماء لهذيل بالحجاز - ، غدر القوم بهم، واجتمع عليهم نفرٌ من هذيل، يقال لهم بنو لحيان، وكانوا نحواً من مائتي رجل، كلهم يحسن الرماية، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى مكان مرتفع، وأحاط بهم القوم، فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم، ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم أمير السرية، أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، فجعل عاصم يقاتلهم وهو يقول: " اللهم حميتُ دينك أول نهاري، فاحمِ لي لحمي آخره،! وكانوا بنو هذيل يجردون كل من قُتل من الصحابة، ثم قاتل رضي الله عنه حتى قتل في سبعة من أصحابه بالنبل، واستجاب الله دعاء عاصم فلم يتمكن المشركون من جثته حيث أرسل الله عليهم الدَّبر (الزنابير وهي حشرة أليمة اللسع) ليحمي جثته رضي الله عنه فلم يقدروا على شيء منه.
وأما البقية وهم خبيب الأنصاري و ابن الدثنة ورجل آخر، فقد نزلوا إليهم بالعهد والميثاق، فلما استمكنوا منهم، غدروا بهم فربطوهم وأوثقوهم، ثم قتلوا الرجل الثالث لأنه أبى وامتنع عن المسير معهم لما رأى الغدر والخيانة، وانطلقوا بخُبيب ، و ابن الدثنة حتى باعوهما بمكة، فاشترى خُبيبا بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف ، وكان خُبيب قد قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيراً.
وروي أنه تمكن من طفل لابنة الحارث ، فلم يصبه بأذى، حتى إنها شهدت له بالخيرية، فقالت: والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب ، والله لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده، وإنه لموثق في الحديد، وما بمكة من ثمر، وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا ، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل، قال لهم خبيب ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين، ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا، ثم قال:
ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي وذلك في ذات الإله و إن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وكان خبيب أول من سن الركعتين لكل امرئ مسلم قتل صبرا، والحادثة رواها البخاري في صحيحه.
وأما زيد بن الدثنة رضي الله عنه فاشتراه صفوان بن أمية ، فقتله بأبيه يوم بدر وهو أمية بن خلف فعندما أخرجوا زيداً من الحرم إلى التنعيم ليقتلوه، قام رهط من قريش واجتمعوا عليه وكان فيهم أبو سفيان ، فقال أبو سفيان عندما أقبل على زيد : " أنشدك الله يا زيد ، أتحب أن محمداً عندنا الآن في مكانك تضرب عنقه، وأنك في أهلك، قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي، فقال أبو سفيان : ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً ". ثم قام مولى لصفوان بقتل زيد رضي الله عنه.
وقد عرفت هذه الحادثة المفجعة بالرجيع، نسبة إلى ماء الرجيع الذي وقعت عنده الحادثة.
وهذه الحادثة مع أنها فجيعة مؤلمة، إلا أنه يستفاد منها دروس وعبر:
أبرزها الحذر من غدر الغادرين، وعدم الاعتماد على عهود الكافرين، إضافة إلى أهمية الصبر وأثره في حياة المؤمن، وخاصة في المواقف الحرجة والصعبة، فالصبر هو طريق الجنة الموصل إليها، قال تعالى:{ أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } (آل عمران:142)، وتفيد أيضاً كيف أن الله سبحانه يكرم بعض عباده بكرامات تزيد إيمان أوليائه، وتؤثر في نفوس أعدائه، وأن الأمور بخواتيمها، فمن مات صابراً محتسباً له البشارة من الله، قال تعال: { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين} (البقرة:155)،

ويستفاد من الحادثة أن الله سبحانه يبتلي عبده المؤمن بما شاء، وتفيد أيضاً استجاب الله دعاء المسلم وإكرامه حياً وميتاً، وتفيد كذلك اللجوء إلى الله تعالى وقت الشدة، وفي هذه الحادثة برزت المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والدفاع عنه.
غزوة بني النضير
بني النضير احدي ثلاث طوائف ,كانت تسكن حول المدينة من اليهود,و قد وادعهم الرسول صلي الله علية و سلم يوم قدم المدينة مهاجرا,و كتب لهم كتابا فنقضت بنو قينقاع عهدها أول ما نقض بعد غزوة بدر مباشرة-كما تقدم-فأجلاهم الرسول صلي الله علية و سلم و لم يقتلهم أذ قبل فيهم شفاعة حليفهم عبد الله بن أبي,فخرجوا من المدينة و نزلوا أذرعات بالشام و هلكوا بها .

و ها هم أولاء بنو النضير ينقضون عهدهم اليوم بتأمرهم علي قتل رسول الله صلي الله علية و سلم بصورة مكشوفة واضحة.

إنة بعد أنتهاء وقعة أحد المؤلمة, جاء أبو البراء العامري زائرا المدينة فلاقي رسول الله صلي الله علية و سلم فعرض علية الأسلام فلم يسلم و لم يرفض , و قال للرسول صلي الله علية و سلم :لو تبعث إلي ديارنا بعثا من صالحي رجالك يدعون إلي امرك, فأني أرجوا أن يجابوا لذلك,فأبدي النبي صلي الله علية و سلم تخوفا علي أصحابة , فوعده أبو براء أنة سيكون جارا حتي لا يمسوا بسوء , فبعث الرسول صلي الله علية و سلم سبعين رجلا من خيرة الاصحاب.

و حدثت واقعة بئر معونة, و أستشهد فيها كل الأصحاب و أن عمرو بن أمية لما وقع في أسر عامر بن الطفيل أعتقة و عاد عمرو إلي المدينة , و في طريقة لقي رجلين من بني عامر بن الطفيل الذي أعتقة و عاد عمرو إلي المدينة و كان القتيلان معاهدين للنبي صلي الله علية و سلم و لم يعلم بذلك عمرو , و أخبر النبي صلي الله علية و سلم بالحادث فقال النبي صلي الله علي و سلم :"لأدينهما" و فعلا جاء ذووهما يطالبون بديتهما و كانت معاهدة اليهود تقضي بأن يدي كل من الطرفين ما لزمة من دية شرعية, فخرج النبي صلي الله علية و سلم مع أبي بكر و عمر و علي إليهم - أي بني النضير- يطالبهم بالإسهام في دية العامريين بموجب المعاهدة , فأنتهي إلي ديارهم و ذكر لهم ما جاء من أجلة , فأبدوا أرتياحا و أستعدادا و أنزلوة مع أصحابة منزلا حسنا في ظل جدار من بيت احدهم , وأظهروا أنهم يسعون في تحقيق طلبة , و أذأ بهم متآمرون علي قتلة , أذ قالوا : أنها فرصة قد لا تتاح لكم , فتخلصوا من الرجل بقتلة , و عينوا لذلك عمرو بن جحاش , فقال أنا بذلك , فقالوا نطلع علي السطح و نلقي علية رحي من فوقة نقتلة بها , و أنكر عليهم سلام من مشكم عملهم , و قال لا تفعلوا , لكنهم أجمعوا علي أن ينفذوا خطتهم القذرة هذة, و قبل أن يفعلوا بدقائق أوحي الله تعالي إلي رسولة صلي الله علية و سلم بما هموا بة من قتلة , فقام علي الفور كأنة يقضي حاجتة و دخل المدينة , و لما أستبطأ أصحابة قام و لحقوا بة فاخبرهم بمؤامرة اليهود , و أن خبر السماء قد سبقهم و كان آية المائدة قد نزلت في هذة الحادثة هي قولة تعالي(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)المائدة 11

و لهذة الحادثة أشباه , و تتلي الآية عند كل واحدة منها تذكيرا بنعمة الله و فضلة علي المؤمنين ليشكروا بالصبر و الطاعة.

و بعث إليهم صلي الله علية و سلم محمد بن مسلمة يأمرهم بالخروج من جوارة و بلدة لنقضهم العهد الذي بينهم و بينة فبعث إليهم المنافقون و علي رأسهم ابن أبي كبير المنافقين يشجعونهم علي البقاء و عدم الجلاء, و في ذلك يقول الله تعالي(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الحشر15

و هم بنو قينقاع أهلكهم الله .

و لما لم ينصاعوا لأمر الجلاء لتشجيع المنافقين لهم , أعلن القائد الاعظم الحبيب صلي الله علية و سلم الحرب عليهم فولي علي المدينة ابن أم مكتوم , و خرج إليهم برجالة , فحاصرهم قرابة نصف شهر و أثناء ذلك هددهم بإحراق نخلهم و قطعة و فعلا أحرق بعض المؤمنين ظرفا و قطعوا بعضا و تألم لذلك بعض المسلمين و لا سيما لما قال اليهود للرسول صلي الله علية و سلم عهدنا بك تنهي عن الفساد و تعيب صاحبة , فكيف تأذن بإحراق النخيل؟و نزل في ذلك قولة تعالي(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ)الحشر 5.

و نزل اليهود أخيرا علي حكم الرسول صلي الله علية و سلم منصاعين لأمرة , و هو أن يخرجوا من المدينة حاملين أموالهم علي إبلهم ما عدا الحلقة(السلاح) حتي لا يحاربوا بها مرة اخري , فأخذوا أموالهم الصامتة و الناطقة حتي أن أحدهم يهدم سقف بيتة و يحمل بعض أخشابة أو يهد نجف الباب ليأخذ الباب , و في هذا يقول تعالي(وَلَوْلَا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلَاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ (3) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)الحشر 2-4.

و أجلي بنو النضير عن المدينة , و لم يسلم منهم إلا رجلان هما (يامين بن عمير و أبو سعيد بن وهب)فأحرزا أموالهما . و لما مر اليهود بخيبر , نزل سلام بن أبي الحقيق و كنانة بن الربيع و حيي بن أخطب, فاستقبلهم يهود خيبر بالطبول و المزامير و الغناء بزهاء و فخر كانهم أبطال فاتحون , و ما هم إلا خونة ناكثون مهزمون.

و قسم الحبيب صلي الله علية و سلم أموال بني النضير بين المهاجرين لا غير,إذ هم أصحاب الحاجة غير أنهم عالة علي الأنصار , هذا من جهة , و من جهة أخري فإن أموال بني النضير لم تكن غنائم أحرزت من حرب , و إنما كانت فيئا أفاءها الله علي رسولة بدون سفر و لا قتال , و في هذا يقول الله تعالي في سورة الحشر(وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(7))الحشر 6-7

إلا أنة صلي الله علية و سلم قد شكا لة أبو دجانة و سهل بن حنيف حاجة فأعطاهما خاصة دون بقية الانصار – رضوان الله عليهم أجمعين.
نتائج و عبر:
إن لهذة المقطوعة من السيرة العطرة نتائج و عبر نذكرها فيما يلي:

1-تقرير مبدأ أن نقض المعاهدة إعلان للحرب.

2-بيان الكمال المحمدي في الوفاء بالعهود و الألتزام التام بالعهد.

3-بيان سجية من سجايا اليهود,و هي نقض المعاهدات,و كذا الحال بالنسبة إلي الكفار إذ رأوا حاجتهم في النقض نقضوا , لكفرهم بالله و لقائة.

4-قد تقتضي الضرورة هدم الجسور و بعض الدور و قطع الاشجار للضرورة.

5-بيان أن الفئ خلاف الغنيمة صورة و حكما.

6-لوع اليهود بالمزامير و الطبول و الأغاني و الرقص و المجون في كل زمان.

7-بيان أن سورة الحشر جلها نزل في يهود بني النضير .
عبرة خاصة
عبرة لو كان هناك من يعتبر, إنة لما أخرج بنو النضير من ديارهم و تركوا خرابا , مر بها عمرو بن سعدي اليهودي, و كان متألها في بني قريظة لا يفارق الكنيسة , فرأي خرابها , و فقدان أهلها بعد أن كانوا يعمرونها , و لهم فيها طيب عيش و هدوء نفس و راحة بال , فأتي بوق الكنيسة فنفخ فية فاجتمع رجال بني قريظة , فذكرهم بحال بني النضير , و حال بني قينقاع من قبلهم و ما حل بهم من ذل و هوان و خسران , و قررهم بما يعرفون من التوراة ,و هو أن محمد هو النبي الخاتم , و أنة رسول الله صلي الله علية و سلم حقا و صدقا,و ان النجاة في اتباعة و الخسران في حربة و الكفر بة و معاداتة, فأقروا مما أكثر عليهم من الحجج و الشواهد و البراهين,فقال لة كعب بن أسد القرظي :ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من أتباعة؟؟قال :أنت يا كعب , قال كعب : فلم-و التوراة-ما حلت بينك و بينة قط؟؟قال الزبير بن باطا :بل أنت صاحب عهدنا و عقدنا فإن اتبعتة اتبعناة , و إن أبيت أبينا . فأقبل عمرو بن باط علي كعب فذكر ما تقاولا في ذلك إلي أن قال عمرو : ما عندي في أمرة إلا ما قلت : ما تصير نفسي أن أكون تابعا !!!!!
و هكذا يحمل الكبر صاحبة علي جحود الحق و انكاره و إن خسر نفسة و أهلة في الدنيا و الأخرة و هو الخسران المبين.
غزوة نجد ‏
وبهذا النصر الذي أحرزه المسلمون في غزوة بني النضير دون قتال وتضحية توطد سلطانهم في المدينة، وتخاذل المنافقون عن الجهر بكيدهم، وأمكن للرسول صلى الله عليه وسلم أن يتفرغ لقمع الأعراب الذين آذوا المسلمين بعد أحد، وتواثبوا على بعوث الدعاة يقتلون رجالها في نذالة وكفران، وبلغت بهم الجرأة إلى أن أرادوا القيام بجر غزوة على المدينة‏.‏

فقبل أن يقوم النبي صلى الله عليه وسلم بتأديب أولئك الغادرين، نقلت إليه استخبارات المدينة بتحشد جموع البدو والأعراب من بني مُحَارِب وبني ثعلبة من غَطَفَان، فسارع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الخروج، يجوس فيافي نجد، ويلقي بذور الخوف في أفئدة أولئك البدو القساة؛ حتى لا يعاودوا مناكرهم التي ارتكبها إخوانهم مع المسلمين‏.‏

وأضحي الأعراب الذين مردوا على النهب والسطو لا يسمعون بمقدم المسلمين إلا حذروا وتمنعوا في رءوس الجبال، وهكذا أرهب المسلمون هذه القبائل المغيرة، وخلطوا بمشاعرهم الرعب، ثم رجعوا إلى المدينة آمنين‏.‏

وقد ذكر أهل المغازي والسير بهذا الصدد غزوة معينة غزاها المسلمون في أرض نجد في شهر ربيع الثاني أو جمادي الأولي سنة 4 ه، ويسمون هذه الغزوة بغزوة ذات الرِّقَاع‏.‏ أما وقوع الغزوة خلال هذه المدة فهو أمر تقتضيه ظروف المدينة، فإن موسم غزوة بدر التي كان قد تواعد بها أبو سفيان حين انصرافه من أحد، كان قد اقترب‏.‏ وإخلاء المدينة، مع ترك البدو والأعراب على تمردهم وغطرستهم، والخروج لمثل هذا اللقاء الرهيب لم يكن من مصالح سياسة الحروب قطعاً ، بل كان لا بد من خضد شوكتهم وكف شرهم، قبل الخروج لمثل هذه الحرب الكبيرة، التى كانوا يتوقعون وقوعها فى رحاب بدر ‏.‏

وأما أن تلك الغزوة التى قادها الرسول صلى الله عليه وسلم فى ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة 4 ه هى غزوة ذات الرقاع فلا يصح، فإن غزوة ذات الرقاع شهدها أبو هريرة وأبو موسى الأشعرى رضي الله عنهما، وكان إسلام أبى هريرة قبل غزوة خيبر بأيام، وكذلك أبو موسى الأشعرى رضي الله عنه، وافى النبى صلى الله عليه وسلم بخيبر‏.‏ وإذن فغزوة ذات الرقاع بعد خيبر ، ويدل على تأخرها عن السنة الرابعة أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فيها صلاة الخوف، وكانت أول شرعية صلاة الخوف فى غزوة عُسْفَان، ولا خلاف أن غزوة عسفان كانت بعد الخندق، وكانت غزوة الخندق فى أواخر السنة الخامسة‏.‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shapap.jordanforum.net
القائد الأكبر
The Big Leader
The Big Leader
القائد الأكبر


ذكر عدد المساهمات : 2369
نقاط : 2147488500
تاريخ الميلاد : 25/01/1990
تاريخ التسجيل : 04/02/2011
العمر : 34
البلد : https://shapap.jordanforum.net

 غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Empty
مُساهمةموضوع: رد: غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)    غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) Icon_minitimeالجمعة مايو 20, 2011 8:40 pm

غزوة السويق أو بدر الأخري

سبب هذة الغزوة أن أبا سفيان بن حرب لما كان عائدا من غزوة أحد قال للنبي صلي الله علية و سلم و أصحابة : موعدنا بدرا عاما قابلا فقال النبي لاصحابة :" قولوا لة : نعم " فقالوا : نعم إن موعدنا معكم العام القابل , فلما آن أوان الموعد , أستخلف النبي صلي الله علية و سلم علي المدينة عبد الله بن رواحة أو علد الله بن عبد الله بن أبي سلول و خرج في ألف و خمسمائة مقاتل, و سار حتي وصل بدرا .

و كان بها سوق كبير تقام سنويا و لذا واعد أبو سفيان فيها النبي صلي اله علية و سلم و أضحابة فباع النبي صلي الله علية و سلم و اصحابة و أشتروا فربحوا ضعف راس المال إذ ربح الدرهم درهمين , وعادوا لم يمسهم سوء إذ أبو سفيان لما خرج برجالة و وصل إلي قريب من عسفان رأي أنة لا فائدة من الحرب , و خاف الهزيمة فخطب في رجالة فقال : إن هذا العام جدب و لا يصلح لكم إلا عام مخصب , فأكلوا أزوادهم و كانت سويقا و رجعوا , فقال أهل مكة ينحون عليهم بالائمة : كأنكم ما خرجتم للقتال , و أنما خرجتم للأكل و السويق , فسميت هذة الغزوة أيضا بغزوة السويق .

و قال في هذة الغزوة كعب بن مالك شعرا فقال:

و عدنا أبا سفيان بدرا فلم نجد

لميعادة صدقا و ما كان وافيا

فأقسم لو وافيتنا فلقيتنا

لأبت ذميما و افتقدت المواليا

تركنا بة أوصال عتبة و إبنة

و عمرا أبا جهل تركناة ثاويا

عصيتم رسول الله أف لدينكم

و أمركم السئ الذي كان غاويا

فإني إن عنفتموني لقائل

فدي لرسول الله أهلي و ماليا

أطعنا فلم نعدلة فينا بغيرة

شهابا لنا في ظلمة الليل هاديا

نتائج و عبر

إن لهذة المقطوعة من السيرة العطرة نتائح و عبر هي الاتية :

1- بيان الوفاء المحمدي الدال علي الشجاعة النادرة , إذ لم يرهب ابا سفيان كما رهب و ولي من الطريق خائفا.

2- مشروعية البيع و الشراء في كل فرصة تسنح حتي في الجهاد و الحج .

3- بيان مصداق حديث "نصرت بالرعب مسيرة شهر" لأنهزام جيش أبي سفيان قبل الألتقاء بأرض الموعد و هي بدر.

4- تفسير قول الله تعالي (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)آل عمران
غزوة الأحزاب

عاد الأمن والسلام، وهدأت الجزيرة العربية بعد الحروبوالبعوث التي استغرقت أكثر من سنة كاملة ، إلا أن اليهود الذين كانوا قد ذاقواألواناً من الذلة والهوان نتيجة غدرهم وخيانتهم ومؤامراتهم ودسائسهم لم يفيقوا منغيهم ، ولم يستكينوا ، ولم يتعظوا بما أصابهم من نتيجة الغدر والتآمر ‏.‏ فهم بعدنفيهم إلى خيبر ظلوا ينتظرون ما يحل بالمسلمين من خلال المناوشات التي كانت قائمةبين المسلمين والوثنيين ، ولما تحول مجرى الأيام لصالح المسلمين ، وتمخضت اللياليوالأيام عن بسط نفوذهم ، وتوطد سلطانهم تحرق هؤلاء اليهود أي تحرق ‏.‏

وشرعوا في التآمر من جديد على المسلمين ، وأخذوا يعدونالعدة ، لتصويب ضربة إلى المسلمين تكون قاتلة لا حياة بعدها ‏.‏ ولما لم يكونوايجدون في أنفسهم جرأة على قتال المسلمين مباشرة ، خططوا لهذا الغرض خطة رهيبة ‏.‏

خرج عشرون رجلاً من زعماء اليهود وسادات بني النضير إلىقريش بمكة ، يحرضونهم على غزو الرسول(صلى الله عليه وسلم)، ويوالونهمعليه ، ووعدوهم من أنفسهم بالنصر لهم ، فأجابتهم قريش ، وكانت قريش قد أخلفت موعدهافي الخروج إلى بدر ، فرأت في ذلك إنقاذا لسمعتها والبر بكلمتها‏ .‏

ثم خرج هذا الوفد إلى غَطَفَان ، فدعاهم إلى ما دعا إليهقريشاً فاستجابوا لذلك ، ثم طاف الوفد في قبائل العرب يدعوهم إلى ذلك فاستجاب له مناستجاب ، وهكذا نجح ساسة اليهود وقادتهم في تأليب أحزاب الكفر على النبي(صلى الله عليه وسلم)والمسلمين ‏.‏

وعلى إثر ذلك خرجت من الجنوب قريش وكنانة وحلفاؤهم من أهلتهامة وقائدهم أبو سفيان في أربعة آلاف ، ووافاهم بنو سليم بمَرِّ الظَّهْرَان، وخرجت من الشرق قبائل غطفان‏ :‏ بنو فَزَارة ، يقودهم عُيينَة بن حِصْن ، وبنومُرَّة، يقودهم الحارث بن عوف ، وبنو أشجع ، يقودهم مِسْعَر بن رُحَيلَةِ ، كماخرجت بنو أسد وغيرها ‏.‏واتجهت هذه الأحزاب وتحركت نحو المدينة على ميعاد كانتقد تعاقدت عليه ‏.‏

وبعد أيام تجمع حول المدينة جيش عَرَمْرَم يبلغ عدده عشرةآلاف مقاتل ، جيش ربما يزيد عدده على جميع من في المدينة من النساء والصبيانوالشباب والشيوخ ‏.‏

ولو بلغت هذه الأحزاب والمحزبة والجنود المجندة إلى أسوارالمدينة بغتة لكانت أعظم خطراً على كيان المسلمين مما يقاس ، وربما تبلغ إلىاستئصال الشأفة وإبادة الخضراء ، ولكن قيادة المدينة كانت قيادة متيقظة ، لم تزلواضعة أناملها على العروق النابضة ، تتجسس الظروف ، وتقدر ما يتمخض عن مجراها ، فلمتكد تتحرك هذه الجيوش عن مواضعها حتى نقلت استخبارات المدينة إلى قيادتها فيها بهذاالزحف الخطير ‏.‏

وسارع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إلى عقدمجلس استشاري أعلى ، تناول فيه موضوع خطة الدفاع عن كيان المدينة ، وبعد مناقشاتجرت بين القادة وأهل الشورى اتفقوا على قرار قدمه الصحابي النبيل سلمان الفارسي رضيالله عنه ‏.‏ قال سلمان ‏:‏ يا رسول الله ، إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرناخَنْدَقْنَا علينا ‏.‏ وكانت خطة حكيمة لم تكن تعرفها العرب قبل ذلك‏ .‏

وأسرع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إلى تنفيذهذه الحظة ، فوكل إلى كل عشرة رجال أن يحفروا من الخندق أربعين ذراعاً ، وقامالمسلمون بجد ونشاط يحفرون الخندق ، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم)يحثهمويساهمهم في عملهم هذا ‏.‏ ففي البخاري عن سهل بن سعد ، قال ‏:‏ كنا مع رسول اللهفي الخندق ، وهم يحفرون ، ونحن ننقل التراب على أكتادنا ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم) " :‏‏اللهم لا عَيشَ إلا عيشُ الآخرة ، فاغفر للمهاجرين والأنصار‏"‏ ‏.‏

وعن أنس‏ :‏ خرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إلى الخندقفإذا المهاجرين والأنصار يحفرون في غداة باردة ، فلم يكن لهم عبيد يعملون ذلك لهم ،فلما رأى ما بهم من النصب والجوع قال‏ :‏

اللهم إن العيش عيش الآخرة

فاغفر للأنصار والمهاجرة

فقالوا مجيبين له ‏:‏

نحن الذين بايعوا محمداً

على الجهاد ما بقينا أبداً

وفيه عن البراء بن عازب قال ‏:‏ رأيته(صلى الله عليه وسلم)ينقل منتراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلدة بطنه ، وكان كثير الشعر ، فسمعته يرتجزبكلمات ابن رواحة ، وهو ينقل من التراب ويقول‏:

اللهم لولا أنت ما اهتدينافأنزلن سكينة عليناإنالألى بغوا علينا ولا تصدقنا ولا صليناوثبت الأقدام إن لاقيناوإن أرادوا فتنة أبينا
قال ‏:‏ ثم يمد بها صوته بآخرها ، وفي رواية ‏:‏

إن الألى قد بغوا علينا

وإن أرادوا فتنة أبينا

كان المسلمون يعملون بهذا النشاط وهم يقاسون من شدة الجوعما يفتت الأكباد ، قال أنس ‏:‏ كان أهل الخندق يؤتون بملء كفي من الشعير ، فيصنعلهم بإهَالَةٍ سنخة توضع بين يدي القوم ، والقوم جياع ، وهي بشعة في الحلق ولها ريح‏.‏

وقال أبو طلحة ‏:‏ شكونا إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)الجوع ،فرفعنا عن بطوننا عن حجر حجر ، فرفع رسول الله(صلى الله عليه وسلم)عن حجرين‏.‏

وبهذه المناسبة وقعت أثناء حفر الخندق آيات من أعلام النبوة، رأى جابر بن عبد الله في النبي(صلى الله عليه وسلم)خمصاًشديدًا فذبح بهيمة ، وطحنت امرأته صاعاً من شعير ، ثم التمس من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)سراً أن يأتي في نفر من أصحابه ، فقام النبي(صلى الله عليه وسلم)بجميع أهلالخندق ، وهم ألف ، فأكلوا من ذلك الطعام وشبعوا ، وبقيت بُرْمَة اللحم تغط به كماهي ، وبقي العجين يخبز كما هو ‏.‏

وجاءت أخت النعمان بن بشير بحَفْنَة من تمر إلى الخندقليتغدى به أبوه وخاله ، فمرت برسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فطلب منهاالتمر ، وبدده فوق ثوب ، ثم دعا أهل الخندق ، فجعلوا يأكلون منه وجعل التمر يزيد ،حتى صدر أهل الخندق عنه ، وإنه يسقط من أطراف الثواب ‏.‏

وأعظم من هذين ما رواه البخاري عن جابر قال‏ :‏ إنا يومخندق نحفر ، فعرضت كُدْية شديدة ، فجاءوا النبي(صلى الله عليه وسلم)فقالوا‏ :‏هذه كدية عرضت في الخندق‏ .‏ فقال ‏:‏ ‏( ‏أنا نازل‏ ) ‏، ثم قام وبطنه معصوب بحجر ولبثنا ثلاثة لا نذوق ذواقاً فأخذ النبي(صلى الله عليه وسلم)المِعْوَل ،فضرب فعاد كثيباً أهْيل أو أهْيم ، أي صار رملاً لا يتماسك‏ .‏

وقال البراء ‏:‏ لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندقصخرة لا تأخذ منها المعاول ، فاشتكينا ذلك لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فجاءةوأخذ المعول فقال ‏:‏ ‏" ‏بسم الله‏"‏ ، ثم ضرب ضربة ، وقال ‏:‏ ‏" ‏الله أكبر ، أعطيت مفاتيح الشام ، والله إني لأنظر قصورها الحمرالساعة‏ "‏،ثم ضرب الثانية فقطع آخر ، فقال :‏ ‏" ‏الله أكبر ، أعطيت فارس ، والله إني لأبصرقصر المدائن الأبيض الآن‏" ‏، ثم ضرب الثالثة ، فقال ‏:‏ ‏" بسمالله"‏ ،فقطع بقية الحجر ، فقال‏ :‏ "‏الله أكبر ، أعطيت مفاتيح اليمن ، والله إني لأبصرأبواب صنعاء من مكاني‏"‏‏.‏وروى ابن إسحاق مثل ذلك عن سلمان الفارسي رضي الله عنه ‏.‏

ولما كانت المدينة تحيط بها الحرات والجبال وبساتين منالنخيل من كل جانب سوي الشمال ، وكان النبي(صلى الله عليه وسلم)يعلم أن زحفمثل هذا الجيش الكبير ، ومهاجمته المدينة لا يمكن إلا من جهة الشمال ، اتخذ الخندقفي هذا الجانب‏ .‏

وواصل المسلمون عملهم في حفره ، فكانوا يحفرونه طول النهار، ويرجعون إلى أهليهم في المساء ، حتى تكامل الخندق حسب الخطة المنشودة ، قبل أنيصل الجيش الوثني العرمرم إلى أسوار المدينة ‏.‏وأقبلت قريش في أربعة آلاف ،حتى نزلت بمجتمع الأسيال من رُومَة بين الجُرْف وزَغَابَة ، وأقبلت غَطَفَان ومنتبعهم من أهل نجد في ستة آلاف حتى نزلوا بذَنَبِ نَقْمَي إلى جانب أحد‏ .‏

‏"‏وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأحْزَابَ قَالُواهَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَازَادَهُمْ إِلا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا‏"‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 22‏] ‏‏.‏

وأما المنافقون وضعفاء النفوس فقد تزعزعت قلوبهم لرؤية هذاالجيش"‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌمَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا‏"‏‏[‏ الأحزاب‏:‏ 12‏] ‏‏.‏

وخرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في ثلاثةآلاف من المسلمين ، فجعلوا ظهورهم إلى جبل سَلْع فتحصنوا به ، والخندق بينهم وبينالكفار‏ . ‏وكان شعارهم ‏:‏ ‏[ ‏حم لا ينصرون ‏] ‏، واستحلف على المدينة ابن أممكتوم ، وأمر بالنساء والذراري فجعلوا في آطام المدينة‏ .‏

ولما أراد المشركون مهاجمة المسلمين واقتحام المدينة ،وجدوا خندقاً عريضاً يحول بينهم وبينها ، فالتجأوا إلى فرض الحصار على المسلمين ،بينما لم يكونوا مستعدين له حين خرجوا من ديارهم ، إذ كانت هذه الخطة كما قالوا مكيدة ما عرفتها العرب ، فلم يكونوا أدخلوها في حسابهم رأساً‏ .‏

وأخذ المشركون يدورون حول الخندق غضاباً ، يتحسسون نقطةضعيفة ، لينحدروا منها ، وأخذ المسلمون يتطلعون إلى جولات المشركين ، يرشقونهمبالنبل ، حتى لا يجترئوا على الاقتراب منه ، ولا يستطيعوا أن يقتحموه ، أو يهيلواعليه التراب ، ليبنوا به طريقاً يمكنهم من العبور‏ .‏

وكره فوارس من قريش أن يقفوا حول الخندق من غير جدوى فيترقب نتائج الحصار ، فإن ذلك لم يكن من شيمهم ، فخرجت منها جماعة فيها عمرو بن عبدوُدّ وعكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب وغيرهم ، فتيمموا مكاناً ضيقاً من الخندقفاقتحموه ، وجالت بهم خيلهم في السَّبْخة بين الخندق وسَلْع ، وخرج علي بن أبي طالبفي نفر من المسلمين حتى أخذوا عليهم الثغرة التي أقحموا منها خيلهم ، ودعا عمرو إلىالمبارزة ، فانتدب له علي بن أبي طالب ، وقال كلمة حمي لأجلها وكان من شجعانالمشركين وأبطالهم فاقتحم عن فرسه فعقره وضرب وجهه ، ثم أقبل على علي ، فتجاولاوتصاولا حتى قتله علي رضي الله عنه ، وانهزم الباقون حتى اقتحموا الخندق هاربين ،وقد بلغ بهم الرعب إلى أن ترك عكرمة رمحه وهو منهزم عن عمرو ‏.‏

وقد حاول المشركون في بعض الأيام محاولة بليغة لاقتحامالخندق ، أو لبناء الطرق فيها ، ولكن المسلمين كافحوا مكافحة مجيدة ، ورشقوهمبالنبل ، وناضلوهم أشد النضال حتى فشل المشركون في محاولتهم ‏.‏

ولأجل الاشتغال بمثل هذه المكافحة الشديدة فات بعض الصلواتعن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)والمسلمين ، ففي الصحيحين عن جابر رضي الله عنه ‏:‏ أن عمربن الخطاب جاء يوم الخندق ، فجعل يسب كفار قريش ‏.‏ فقال‏ :‏ يا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)،ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب ، فقال النبي(صلى الله عليه وسلم)‏:‏ ‏(‏وأنا والله ما صليتها ‏) ‏، فنزلنا مع النبي(صلى الله عليه وسلم)بُطْحَان ،فتوضأ للصلاة ، وتوضأنا لها ، فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ، ثم صلى بعدها المغرب‏.‏

وقد استاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لفوات هذهالصلاة حتى دعا على المشركين ، ففي البخاري عن على عن النبي(صلى الله عليه وسلم)أنه قال يومالخندق ‏:‏ ‏"‏ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم ناراً ، كما شغلونا عن الصلاةالوسطى حتى غابت الشمس‏"‏‏.‏

وفي مسند أحمد والشافعي أنهم حبسوه عن صلاة الظهر والعصروالمغرب والعشاء فصلاهن جميعاً‏ .‏ قال النووي ‏:‏ وطريق الجمع بين هذه الروايات أنوقعة الخندق بقيت أياماً فكان هذا في بعض الأيام ، وهذا في بعضها ‏.‏ انتهى ‏.‏

ومن هنا يؤخذ أن محاولة العبور من المشركين ، والمكافحةالمتواصلة من المسلمين ، دامت أياماً ، إلا أن الخندق لما كان حائلاً بين الجيشينلم يجر بينهما قتال مباشر أو حرب دامية ، بل اقتصروا على المراماة والمناضلة ‏.‏

وفي هذه المراماة قتل رجال من الجيشين ، يعدون على الأصابع‏ :‏ ستة من المسلمين ، وعشرة من المشركين ، بينما كان قتل واحد أو اثنين منهم بالسيف‏.‏

وفي هذه المراماة رمي سعد بن معاذ رضي الله عنه بسهم فقطعمنه الأكْحَل ، رماه رجل من قريش يقال له ‏:‏ حَبَّان بن العَرِقَة ، فدعا سعد ‏:‏اللّهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلى أن أجاهدهم فيك من قوم كذبوا رسولك وأخرجوه ،اللّهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم ، فإن كان بقي من حرب قريش شيءفأبقني لهم حتى أجاهدهم فيك ، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها ‏.‏وقال في آخر دعائه‏ :‏ ولا تمتني حتى تقر عيني من بني قريظة‏ .‏

وبينما كان المسلمون يواجهون هذه الشدائد على جبهة المعركةكانت أفاعي الدس والتآمر تتقلب في جحورها ، تريد إيصال السم داخل أجسادهم ‏:‏ انطلقكبير مجرمي بني النضير حيي بن أخطب إلى ديار بني قريظة فأتى كعب بن أسد القرظي سيد بني قريظة وصاحب عقدهم وعهدهم ، وكان قد عاقد رسول الله(صلى الله عليه وسلم)على أنينصره إذا أصابته حرب ، كما تقدم فضرب عليه حيي الباب فأغلقه كعب دونه ، فما زاليكلمه حتى فتح له بابه ، فقال حيي ‏:‏ إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر وببحر طَامٍ ،جئتك بقريش على قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بمجمع الأسيال من رُومَة ، وبغطفانعلى قادتها وسادتها ، حتى أنزلتهم بذَنَب نَقْمَي إلى جانب أحد ، قد عاهدونيوعاقدوني على ألا يبرحوا حتى نستأصل محمداً ومن معه ‏.‏

فقال له كعب‏ :‏ جئتني والله بذُلِّ الدهر وبجَهَامٍ قدهَرَاق ماؤه ، فهو يرْعِد ويبْرِق ، ليس فيه شيء ‏.‏ ويحك يا حيي ! فدعني وما أناعليه ، فإني لم أر من محمد إلا صدقاً ووفاءً‏.‏

فلم يزل حيي بكعب يفْتِلُه في الذِّرْوَة والغَارِب ، حتىسمح له على أن أعطاه عهداً من الله وميثاقاً‏ :‏ لئن رجعت قريش وغطفان ، ولم يصيبوامحمداً أن أدخل معك في حصنك ، حتى يصيبني ما أصابك ، فنقض كعب بن أسد عهده ، وبرئمما كان بينه وبين المسلمين ، ودخل مع المشركين في المحاربة ضد المسلمين ‏.‏

وفعلاً قامت يهود بني قريظة بعمليات الحرب ‏.‏ قال ابنإسحاق‏ :‏ كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت ، وكان حسان فيه معالنساء والصبيان ، قالت صفية ‏:‏ فمر بنا رجل من يهود ، فجعل يطيف بالحصن ، وقدحاربت بنو قريظة وقطعت ما بينها وبين رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، وليسبيننا وبينهم أحد يدفع عنا ، ورسول الله(صلى الله عليه وسلم)والمسلمونفي غور عدوهم ، لا يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إن أتانا آت ، قالت ‏:‏ فقلت ‏:‏ ياحسان ، إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن ، وإني والله ما آمنه أن يدل على عورتنامَنْ وراءنا مِنْ يهود ، وقد شغل عنا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وأصحابه ،فانزل إليه فاقتله ‏.‏

قال ‏:‏ والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا ، قالت‏ :‏فاحتجزت ثم أخذت عموداً ، ثم نزلت من الحصن إليه ، فضربته بالعمود حتى قتلته ، ثمرجعت إلى الحصن وقلت ‏:‏ يا حسان ، انزل إليه فاسلبه ، فإنه لم يمنعني من سبله إلاأنه رجل ، قال ‏:‏ ما لي بسلبه من حاجة ‏.‏

وقد كان لهذا الفعل المجيد من عمة الرسول(صلى الله عليه وسلم)أثر عميق فيحفظ ذراري المسلمين ونسائهم ، ويبدو أن اليهود ظنوا أن هذه الآطام والحصون في منعةمن الجيش الإسلامي مع أنها كانت خالية عنهم تماماً فلم يجترئوا مرة ثانيةللقيام بمثل هذا العمل ، إلا أنهم أخذوا يمدون الغزاة الوثنيين بالمؤن ، كدليل عمليعلى انضمامهم إليهم ضد المسلمين ، حتى أخذ المسلمون من مؤنهم عشرين جملاً ‏.‏

وانتهى الخبر إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وإلىالمسلمين فبادر إلى تحقيقه ، حتى يستجلي موقف قريظة ، فيواجهه بما يجب من الوجهةالعسكرية ، وبعث لتحقيق الخبر السعدين ، سعد بن معاذ وسعد بن عبادة ، وعبد الله بنرواحة وخَوَّات بن جبير ، وقال ‏:‏ ‏"‏انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاءالقوم أم لا ‏؟‏ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه ، ولا تَفُتُّوا في أعضادالناس ، وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس"‏‏ .‏

فلما دنوا منهم وجدوهم على أخبث ما يكون ، فقد جاهروهمبالسب والعداوة ، ونالوا من رسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏.‏وقالوا ‏:‏ من رسول الله ‏؟‏ لا عهد بيننا وبين محمد ، ولا عقد ‏.‏ فانصرفوا عنهم ،فلما أقبلوا على رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لحنوا له ،وقالوا ‏:‏ عَضَل وقَارَة ، أي إنهم على غدر كغدر عضل وقارة بأصحاب الرَّجِيع ‏.‏

وعلى رغم محاولتهم إخفاء الحقيقة تفطن الناس لجلية الأمر ،فتجسد أمامهم خطر رهيب ‏.‏

وقد كان أحرج موقف يقفه المسلمون ، فلم يكن يحول بينهم وبينقريظة شيء يمنعهم من ضربهم من الخلف ، بينما كان أمامهم جيش عرمرم لم يكونوايستطيعون الانصراف عنه ، وكانت ذراريهم ونساؤهم بمقربة من هؤلاء الغادرين في غيرمنعة وحفظ ، وصاروا كما قال الله تعالى ‏:‏ ‏"‏وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِالظُّنُونَا هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا‏"‏‏[‏الأحزاب‏:‏10، 11‏]‏

ونجم النفاق من بعض المنافقين حتى قال ‏:‏ كان محمد يعدناأن نأكل كنوز كسرى وقيصر ، وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط‏ .‏وحتى قال بعض آخر في ملأ من رجال قومه ‏:‏ إن بيوتنا عورة من العدو ، فأذن لنا أننخرج ، فنرجع إلى دارنا فإنها خارج المدينة ‏.‏ وحتى همت بنو سلمة بالفشل ، وفيهؤلاء أنزل الله تعالى ‏:‏ ‏" ‏وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِيقُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا وَإِذْقَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُواوَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌوَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا‏ "‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 12، 13‏]‏‏ .‏

أما رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فتقنع بثوبهحين أتاه غَدْر قريظة ، فاضطجع ومكث طويلاً حتى اشتد على الناس البلاء ، ثم نهضمبشراً يقول ‏:‏ ‏" ‏الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين بفتح اللهونصره"‏، ثمأخذ يخطط لمجابهة الظرف الراهن ، وكجزء من هذه الخطة كان يبعث الحرس إلى المدينة ،لئلا يؤتى الذراري والنساء على غرة ، ولكن كان لابد من إقدام حاسم ، يفضي إلى تخاذلالأحزاب ، وتحقيقاً لهذا الهدف أراد أن يصالح عُيينَة بن حصن والحارث بن عوفرئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة ، حتى ينصرفا بقومهما ، ويخلو المسلمون لإلحاقالهزيمة الساحقة العاجلة بقريش التي اختبروا مدى قوتها وبأسها مراراً ، وجرتالمراودة على ذلك ، فاستشار السعدين في ذلك ، فقالا ‏:‏ يا رسول الله ، إنكان اللهأمرك بهذا فسمعاً وطاعة ، وإن كان شيء تصنعه لنا فلا حاجة لنا فيه ، لقد كنا نحنوهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرةإلا قِرًي أو بيعاً ، فحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك نعطيهمأموالنا ‏؟‏ والله لا نعطيهم إلا السيف ، فَصَوَّبَ رأيهما وقال ‏:‏ ‏" ‏إنما هو شيء أصنعه لكم لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة "‏‏.‏

ثم إن الله عز وجل وله الحمد صنع أمراً من عنده خذل بهالعدو وهزم جموعهم ، وفَلَّ حدهم ، فكان مما هيأ من ذلك أن رجلاً من غطفان يقالله‏:‏ نعيم بن مسعود بن عامر الأشجعي رضي الله عنه جاء رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فقال ‏:‏ يارسول الله ، إني قد أسلمت ، وإن قومي لم يعلموا بإسلامي ، فمرني ما شئت ، فقال رسولالله(صلى الله عليه وسلم)‏:‏ ‏( ‏إنما أنت رجل واحد ، فَخذِّلْ عنا ما استطعت ، فإن الحرب خدعة‏) ‏، فذهب من فوره إلى بني قريظة وكان عشيراً لهم في الجاهلية فدخل عليهم وقال‏:‏ قد عرفتم ودي إياكم ، وخاصة ما بيني وبينكم ، قالوا‏ :‏ صدقت ‏.‏ قال‏ :‏ فإنقريشاً ليسوا مثلكم ، البلد بلدكم ، فيه أموالكم وأبناؤكم ونساؤكم ، لا تقدرون أنتتحولوا منه إلى غيره ، وإن قريشاً وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه ، وقدظاهرتموهم عليه ، وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ، فإن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلالحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمداً فانتقم منكم ، قالوا ‏:‏ فما العمل يا نعيم ‏؟‏ قال‏:‏ لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن ‏.‏ قالوا‏ :‏ لقد أشرت بالرأي ‏.‏

ثم مضى نعيم على وجهه إلى قريش وقال لهم ‏:‏ تعلمون ودي لكمونصحي لكم ‏؟‏ قالوا‏ :‏ نعم، قال ‏:‏ إن اليهود قد ندموا على ما كان منهم من نقضعهد محمد وأصحابه ، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ، ثميوالونه عليكم ، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم ، ثم ذهب إلى غطفان ، فقال لهم مثلذلك ‏.‏

فلما كانت ليلة السبت من شوال سنة 5ه بعثوا إلى اليهود‏:‏ أنا لسنا بأرض مقام ، وقد هلك الكُرَاع والخف ، فانهضوا بنا حتى نناجز محمداً ،فأرسل إليهم اليهود أن اليوم يوم السبت ، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوافيه ، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن ، فلما جاءتهم رسلهم بذلكقالت قريش وغطفان ‏:‏ صدقكم والله نعيم ، فبعثوا إلى يهود إنا والله لا نرسل إليكمأحداً ، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمداً ، فقالت قريظة ‏:‏ صدقكم والله نعيم‏ .‏فتخاذل الفريقان ، ودبت الفرقة بين صفوفهم ، وخارت عزائمهم ‏.‏

وكان المسلمون يدعون الله تعالى‏ :‏ ‏( ‏اللهم استر عوراتناوآمن روعاتنا ‏)‏ ، ودعا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)على الأحزاب، فقال‏:‏ ‏" ‏اللّهم منزل الكتاب ، سريع الحساب ، اهزم الأحزاب ، اللّهم اهزمهموزلزلهم‏ "‏‏.‏

وقد سمع الله دعاء رسوله والمسلمين ، فبعد أن دبت الفرقة فيصفوف المشركين وسرى بينهم التخاذل أرسل الله عليهم جنداً من الريح فجعلت تقوضخيامهم ، ولا تدع لهم قِدْرًا إلا كفأتها ، ولا طُنُبًا إلا قلعته ، ولا يقر لهمقرار ، وأرسل جنداً من الملائكة يزلزلونهم ، ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف ‏.‏

وأرسل رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في تلكالليلة الباردة القارسة حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم ، فوجدهم على هذه الحالة ،وقد تهيأوا للرحيل ، فرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فأخبرهبرحيل القوم ، فأصبح رسول الله(صلى الله عليه وسلم)وقد رد اللهعدوه بغيظهم لم ينالوا خيراً وكفاه الله قتالهم ، فصدق وعده ، وأعز جنده ، ونصرعبده ، وهزم الأحزاب وحده ، فرجع إلى المدينة ‏.‏

وكانت غزوة الخندق سنة خمس من الهجرة في شوال على أصحالقولين ، وأقام المشركون محاصرين رسول الله(صلى الله عليه وسلم)والمسلمينشهراً أو نحو شهر ‏.‏ ويبدو بعد الجمع بين المصادر أن بداية فرض الحصار كانت فيشوال ونهايته في ذي القعدة ، وعند ابن سعد أن انصراف رسول الله(صلى الله عليه وسلم)من الخندقكان يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي القعدة ‏.‏

إن معركة الأحزاب لم تكن معركة خسائر ، بل كانت معركة أعصاب، لم يجر فيها قتال مرير ، إلا أنها كانت من أحسم المعارك في تاريخ الإسلام ، تمخضتعن تخاذل المشركين ، وأفادت أن أية قوة من قوات العرب لا تستطيع استئصال القوةالصغيرة التي تنمو في المدينة ، لأن العرب لم تكن تستطيع أن تأتي بجمع أقوى مما أتتبه في الأحزاب ، ولذلك قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)حين أجلىالله الأحزاب ‏:‏ ‏"‏الآن نغزوهم ، ولا يغزونا ، نحن نسير إليهم"‏‏ .‏
في اليوم الذي رجع فيه رسول الله إلى المدينة ، جاءه جبريل عليه السلام عند الظهر، وهو يغتسل في بيت أم سلمة ، فقال ‏:‏ أو قد وضعت السلاح ‏؟‏ فإن الملائكة لم تضعأسلحتهم ، وما رجعت الآن إلا من طلب القوم ، فانهض بمن معك إلى بني قريظة ، فإنيسائر أمامك أزلزل بهم حصونهم ، وأقذف في قلوبهم الرعب ، فسار جبريل في موكبه منالملائكة ‏.‏
وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)مؤذناً فأذنفي الناس ‏:‏ من كان سامعاً مطيعاً فلا يصَلِّينَّ العصر إلا ببني قريظة ، واستعملعلى المدينة ابن أم مكتوم ، وأعطى الراية علي بن أبي طالب ، وقدّمه إلى بني قريظة ،فسار علي حتى إذا دنا من حصونهم سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏.‏
وخرج رسول الله(صلى الله عليه وسلم)في موكبه منالمهاجرين والأنصار ، حتى نزل على بئر من آبار قريظة يقال لها ‏:‏ بئر أنَّا‏ .‏وبادر المسلمون إلى امتثال أمره ، ونهضوا من فورهم ، وتحركوا نحو قريظة ، وأدركتهمالعصر في الطريق فقال بعضهم ‏:‏ لا نصليها إلا في بني قريظة كما أمرنا ، حتى إنرجالاً منهم صلوا العصر بعد العشاء الآخرة ، وقال بعضهم‏ :‏ لم يرد منا ذلك ، وإنماأراد سرعة الخروج ، فصلوها في الطريق ، فلم يعنف واحدة من الطائفتين ‏.‏
هكذا تحرك الجيش الإسلامي نحو بني قريظة أرسالاً حتىتلاحقوا بالنبي(صلى الله عليه وسلم)، وهم ثلاثة آلاف ، والخيل ثلاثون فرساً ، فنازلوا حصون بنيقريظة ، وفرضوا عليهم الحصار‏ .‏
ولما اشتد عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد ثلاثخصال ‏:‏ إما أن يسلموا ويدخلوا مع محمد(صلى الله عليه وسلم)في دينه ،فيأمنوا على دمائهم وأموالهم وأبنائهم ونسائهم وقد قال لهم ‏:‏ والله ، لقد تبينلكم أنه لنبي مرسل ، وأنه الذي تجدونه في كتابكم وإما أن يقتلوا ذراريهم ونساءهمبأيديهم ، ويخرجوا إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)بالسيوفمُصْلِِتِين ، يناجزونه حتى يظفروا بهم ، أو يقتلوا عن آخرهم ، وإما أن يهجموا علىرسول الله(صلى الله عليه وسلم)وأصحابه ، ويكبسوهم يوم السبت ، لأنهم قد أمنوا أن يقاتلوهمفيه ، فأبوا أن يجيبوه إلى واحدة من هذه الخصال الثلاث ، وحينئذ قال سيدهم كعب بنأسد في انزعاج وغضب ‏:‏ ما بات رجل منكم منذ ولدته أمه ليلة واحدة من الدهرحازماً ‏.‏
ولم يبق لقريظة بعد رد هذه الخصال الثلاث إلا أن ينزلوا علىحكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ولكنهم أرادوا أن يتصلوا ببعض حلفائهم من المسلمين ، لعلهميتعرفون ماذا سيحل بهم إذا نزلوا على حكمه ، فبعثوا إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أن أرسل إلينا أبا لُبَابة نستشيره ، وكان حليفاً لهم ، وكانت أمواله وولده فيمنطقتهم ، فلما رأوه قام إليه الرجال ، وجَهَشَ النساء والصبيان يبكون في وجهه ،فَرَقَّ لهم، وقالوا ‏:‏ يا أبا لبابة ، أترى أن ننزل على حكم محمد‏ ؟‏ قال ‏:‏ نعم، وأشار بيده إلى حلقه ، يقول ‏:‏ إنه الذبح ، ثم علم من فوره أنه خان الله ورسولهفمضى على وجهه ، ولم يرجع إلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)حتى أتىالمسجد النبوي بالمدينة ، فربط نفسه بسارية المسجد ، وحلف ألا يحله إلا رسولالله(صلى الله عليه وسلم)بيده ، وأنه لا يدخل أرض بني قريظة أبداً ‏.‏ فلما بلغ رسولالله(صلى الله عليه وسلم)خبره وكان قد استبطأه قال ‏:‏ ‏"أما إنه لوجاءني لاستغفرت له ، أما إذ قد فعل ما فعل فما أنا بالذي أطلقه من مكانه حتى يتوبالله عليه‏"‏‏.‏
وبرغم ما أشار إليه أبو لبابة قررت قريظة النزول على حكمرسول الله(صلى الله عليه وسلم)، ولقد كان باستطاعة اليهود أن يتحملوا الحصار الطويل ،لتوفر المواد الغذائية والمياه والآبار ومناعة الحصون ، ولأن المسلمين كانوا يقاسونالبرد القارس والجوع الشديد وهم في العراء ، مع شدة التعب الذي اعتراهم ، لمواصلةالأعمال الحربية من قبل بداية معركة الأحزاب ، إلا أن حرب قريظة كانت حرب أعصاب ،فقد قذف الله في قلوبهم الرعب ، وأخذت معنوياتهم تنهار ، وبلغ هذا الانهيار إلىنهايته أن تقدم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام ، وصاح علي ‏:‏ يا كتيبة الإيمان، والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم ‏.‏
وحينئذ بادروا إلى النزول على حكم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)،وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)باعتقال الرجال ، فوضعت القيود في أيديهم تحت إشراف محمد بنمسلمة الأنصاري ، وجعلت النساء والذراري بمعزل عن الرجال في ناحية ، وقامت الأوسإلى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فقالوا ‏:‏ يا رسول الله ، قد فعلت في بني قينقاع ما قد علمت، وهم حلفاء إخواننا الخزرج ، وهؤلاء موالينا ، فأحسن فيهم ، فقال ‏:‏ ‏( ‏ألاترضون أن يحكم فيهم رجل منكم‏ ؟ ‏‏)‏ قالوا ‏:‏ بلى ‏.‏ قال ‏:‏ ‏( ‏فذاك إلى سعدبن معاذ ‏) ‏‏.‏ قالوا ‏:‏ قد رضينا ‏.‏
فأرسل إلى سعد بن معاذ ، وكان في المدينة لم يخرج معهمللجرح الذي كان قد أصاب أكْحُلَه في معركة الأحزاب‏ .‏ فأُركب حماراً ، وجاء إلىرسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فجعلوا يقولون ، وهم كَنَفَيْهِ ‏:‏ يا سعد ، أجمل فيمواليك ، فأحسن فيهم ، فإن رسول الله قد حكمك لتحسن فيهم ، وهو ساكت لا يرجع إليهمشيئاً ، فلما أكثروا عليه قال ‏:‏ لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم ، فلماسمعوا ذلك منه رجع بعضهم إلى المدينة فنعى إليهم القوم‏ .‏
ولما انتهى سعد إلى النبي(صلى الله عليه وسلم)قال للصحابة‏:‏ ‏( ‏قوموا إلى سيدكم‏ ) ‏، فلما أنزلوه قالوا ‏:‏ يا سعد ، إن هؤلاء قد نزلواعلى حكمك ‏.‏ قال ‏:‏ وحكمي نافذ عليهم ‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم‏.‏ قال‏:‏ وعلى المسلمين‏؟‏ قالوا ‏:‏ نعم ، قال ‏:‏ وعلى من هاهنا‏ ؟‏ وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسولالله(صلى الله عليه وسلم)إجلالاً له وتعظيمًا‏ .‏ قال ‏:‏ ‏( ‏نعم ، وعلي‏ )‏ ‏.‏ قال ‏:‏ فإنيأحكم فيهم أن يقتل الرجال ، وتسبى الذرية ، وتقسم الأموال ، فقال رسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏:‏ ‏"‏لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات"‏‏.‏
وكان حكم سعد في غاية العدل والإنصاف ، فإن بني قريظة ،بالإضافة إلى ما ارتكبوا من الغدر الشنيع ، كانوا قد جمعوا لإبادة المسلمين ألفاًوخمسمائة سيف ، وألفين من الرماح، وثلاثمائة درع ، وخمسمائة ترس ، وحَجَفَة ، حصلعليها المسلمون بعد فتح ديارهم ‏.‏
وأمر رسول الله(صلى الله عليه وسلم)فحبست بنوقريظة في دار بنت الحارث امرأة من بني النجار ، وحفرت لهم خنادق في سوق المدينة ،ثم أمر بهم ، فجعل يذهب بهم إلى الخنادق أرسالاً أرسالاً ، وتضرب في تلك الخنادقأعناقهم ‏.‏ فقال من كان بعد في الحبس لرئيسهم كعب بن أسد ‏:‏ ما تراه يصنع بنا ‏؟‏فقال‏ :‏ أفي كل موطن لا تعقلون ‏؟‏ أما ترون الداعي لا ينزع‏ ؟‏ والذاهب منكم لايرجع ‏؟‏ هو والله القتل وكانوا ما بين الستمائة إلى السبعمائة ، فضربت أعناقهم‏.‏
وهكذا تم استئصال أفاعي الغدر والخيانة ، الذين كانوا قدنقضوا الميثاق المؤكد ، وعاونوا الأحزاب على إبادة المسلمين في أحرج ساعة كانوايمرون بها في حياتهم ، وكانوا قد صاروا بعملهم هذا من أكابر مجرمي الحروب الذينيستحقون المحاكمة والإعدام ‏.‏
وقتل مع هؤلاء شيطان بني النضير ، وأحد أكابر مجرمي معركةالأحزاب حيي بن أخطب والد صفية أم المؤمنين رضي الله عنها كان قد دخل مع بني قريظةفي حصنهم حين رجعت عنهم قريش وغطفان ، وفاء لكعب بن أسد بما كان عاهده عليه حينماجاء يثيره على الغدر والخيانة أيام غزوة الأحزاب ، فلما أتي به وعليه حُلَّة قدشقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يُسْلَبَها مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، قاللرسول الله(صلى الله عليه وسلم)‏:‏ أما والله ما لمت نفسي في معاداتك ، ولكن من يُغالب اللهيُغْلَب ‏.‏ ثم قال ‏:‏ أيها الناس ، لا بأس بأمر الله ، كتاب وقَدَر ومَلْحَمَةكتبها الله على بني إسرائيل ، ثم جلس ، فضربت عنقه ‏.‏
وقتل من نسائهم امرأة واحدة كانت قد طرحت الرحى على خَلاَّدبن سُوَيْد فقتلته ، فقتلت لأجل ذلك ‏.‏
وكان قد أمر رسول الله بقتل من أنْبَتَ ، وترك من لم ينبت ،فكان ممن لم ينبت عطية القُرَظِي ، فترك حياً فأسلم ، وله صحبة ‏.‏
واستوهب ثابت بن قيس ، الزبير بن باطا وأهله وماله وكانتللزبير يد عند ثابت فوهبهم له رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فقال لهثابت بن قيس ‏:‏ قد وهبك رسول الله(صلى الله عليه وسلم)إلى ، ووهبلي مالك وأهلك فهم لك ‏.‏ فقال الزبير بعد أن علم بمقتل قومه ‏:‏ سألتك بيدي عندكيا ثابت إلا ألحقتني بالأحبة ، فضرب عنقه ، وألحقه بالأحبة من اليهود ، واستحياثابت من ولد الزبير بن باطا عبد الرحمن بن الزبير، فأسلم وله صحبة‏ .‏
واستوهبت أم المنذر سلمي بنت قيس النجارية رفاعة بن سموألالقرظي ، فوهبه لها فاستحيته ، فأسلم وله صحبة ‏.‏
وأسلم منهم تلك الليلة نفر قبل النزول، فحقنوا دماءهموأموالهم وذراريهم‏.‏
وخرج تلك الليلة عمرو بن سعدي وكان رجلاً لم يدخل مع بنيقريظة في غدرهم برسول الله(صلى الله عليه وسلم) فرآه محمدبن مسلمة قائد الحرس النبوي ، فخلى سبيله حين عرفه ، فلم يعلم أين ذهب ‏.‏
وقسم رسول الله(صلى الله عليه وسلم)أموال بنيقريظة بعد أن أخرج منها الخمس ، فأسهم للفارس ثلاثة أسهم ، سهمان للفرس وسهم للفارس، وأسهم للراجل سهماً واحداً ، وبعث من السبايا إلى نجد تحت إشراف سعد بن زيدالأنصاري فابتاع بها خيلاً وسلاحاً‏ .‏
واصطفى رسول الله(صلى الله عليه وسلم)لنفسه مننسائهم رَيْحَانة بنت عمرو بن خُنَافة ، فكانت عنده حتى توفي عنها وهي في ملكه ،هذا ما قاله ابن إسحاق‏ .‏ وقال الي‏ :‏ إنه(صلى الله عليه وسلم)أعتقها ،وتزوجها سنة 6 ه ، وماتت مرجعه من حجة الوداع ، فدفنها بالبقيع ‏.‏
ولما تم أمر قريظة أجيبت دعوة العبد الصالح سعد بن معاذ رضيالله عنه التي قدمنا ذكرها في غزوة الأحزاب وكان النبي(صلى الله عليه وسلم)قد ضرب لهخيمة في المسجد ليعوده من قريب ، فلما تم أمر قريظة انتقضت جراحته ‏.‏ قالت عائشة‏:‏ فانفجرت من لَبَّتِهِ فلم يَرُعْهُمْ وفي المسجد خيمة من بني غفار إلاوالدم يسيل إليهم ، فقالوا‏ :‏ يا أهل الخيمة ، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم ، فإذاسعد يغذو جرحه دماً ، فمات منها ‏.‏
وفي الصحيحين عن جابر أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم)قال ‏:‏‏"‏اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ‏"‏‏.‏ وصحح الترمذي من حديث أنسقال‏ :‏ لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون‏ :‏ ما أخف جنازته ، فقال رسولالله(صلى الله عليه وسلم)‏:‏"‏إن الملائكة كانت تحمله"‏‏.‏
قتل في حصار بني قريظة رجل واحد من المسلمين ، وهو خلاد بنسُوَيْد الذي طرحت عليه الرحى امرأة من قريظة ‏.‏ ومات في الحصار أبو سِنان بنمِحْصَن أخو عُكَّاشَة ‏.‏
وأما أبو لُبابة ، فأقام مرتبطاً بالجذع ست ليال ، تأتيهامرأته في وقت كل صلاة فتحله للصلاة ، ثم يعود فيرتبط بالجذع ، ثم نزلت توبته علىرسول الله(صلى الله عليه وسلم)سَحَرًا وهو في بيت أم سلمة ، فقامت على باب حجرتها ، وقالت‏:‏ يا أبا لبابة ، أبشر فقد تاب الله عليك ، فثار الناس ليطلقوه ، فأبى أن يطلقهأحد إلا رسول الله(صلى الله عليه وسلم)، فلما مرالنبي(صلى الله عليه وسلم)خارجاً إلى صلاة الصبح أطلقه ‏.‏
وقعت هذه الغزوة في ذي القعدة سنة 5 ه ، ودام الحصارخمساً وعشرين ليلة‏ .‏
غزوة بنى المصطلق من خزاعة أو المريسيع في شعبان سنة 5 أو 6 ه

سبب وقوع هذة الغزوة:
لهذة الغزوة سبب كغيرها من الغزوات وهو أن النبى (صلى الله علية وسلم) بلغة أن بنى المصطلق من خزاعة قد تجمعوا بقيادة الحارث بن أبى ضرار والد جويرية زوج النبى(صلى الله علية و سلم)، وذلك بما يقال لة : المريسيع بناحية قدير، و كذا سميت الغزوة بغزوة بنى المصطلق أوالمريسيع ، فاستعمل النبى (صلى الله علية وسلم) على المدينة أبا ذر الغفارى، وخرج اليهم رسول الله (صلى الله علية وسلم) فى جمع من المهاجرين والانصار ونازلهم بالمريسيع فهزم الله المشركين، و قتل من قتل منهم ، و أصاب رسول الله (صلى الله علية و سلم) سبايا كثيرة فقسمها بين المسلمين، ومن بين السبايا جويرية أم المؤمنين رضى الله عنها، وقد وقعت فى سهم ثابت بن قيس بن شماس أو فى سهم أبن عم لة.
جويرية تكاتب مالكها:
ولما وقعت جويرية - وهى بنت سيد الحى حارث بن أبى ضرار - طلبت من مالكها ثابت بن قيس أن يكاتبها لتتحرر،وأتت النبى(صلى الله علية و سلم)تستعينة فى كتابتها فقال لها: "هل لك فى خير من ذلك"؟ قالت:وما هو يا رسول الله؟ قال: "أقضى عنك كتابك وأتزوجك" نعم يارسول الله ففعل أىتزوجها بعد سداد كتابها، وسمع المسلمون بتزوج رسول الله(صلى الله علية و سلم) بها فقالوا: أصهار رسول الله!!أى فكيف نملكهم؟ فأعتقوا ما لديهم من سبايا بنى المصطلق، فأعتق أكثر من مائة بيت من أهل بنى المصطلق، فكانت عائشة رضى الله عنها أم المومنين تقول: ما أعلم امرأة كانت اعظم بركة على قومها منها!!
فتنة أرادها ابن أبى،ولكن الله سلم:
وما زال المسلمون معسكرين على المريسيع وأذا بصارخين أحدهما يقول: يا للانصار!! و الآخر يقول: يا للمهاجرين!! ففزع الناس و اذا بجهجاة الغفارى - و هو اجير لعمر بن الخطاب رضى الله عنة - وسنان الجهنى حليف الخزرج يقتتلان على الماء، فصرخ كل واحد بأحلافة، فغضب لذلك رئيس المنافقين عبد الله بن أبى بن سلول، وعندة رهط من قومة من بينهم زيد بن أرقم - وهو غلام حدث السن - فقال ابن أبى: أوقد فعلوها!! قد كاثرونا فى بلادنا. أما و الله لئن رجعنا الى المدينة ليخرجن الآعز منها الأذل، ثم أقبل على رهطة وقال لهم: هذا مافعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم ووالله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحركوا الى غيركم، ولما سمع زيد مقالة ابن أبى هذة مشى الى رسول الله (صلى الله علية و سلم)و أخبرة بما قال ابن أبى و كان عندة عمر بن الخطاب - فقال: يارسول الله مر بة عباد بن بشر فيقتلة. فقال رسول الله(صلى الله علية و سلم)"كيف اذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابة! ولكن أذن بالرحيل" فارتحل فى ساعة لم يكن يرتحل فيها ليقطع ما الناس فية - أى من التفكير فى الفتنة - وهذا من الهدى النبوى الذى لايجارى فية، ولا يلحق بة (صلى الله علية و سلم).

وجاء أسيد بن حضير فسلم على النبى صلى الله علية و سلم و قال يا بنى الله لقد رحلت فى ساعة لمتكن تروح فيها!! فقال لة صلى الله علية و سلم : "اما بلغك ما قال عبد الله بن أبى" قال: وماذا قال؟ قال صلي الله علية و سلم: "زعم أن رجع الى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل" قال أسيد : فأنت و الله تخرجة ان شئت، فانك العزيز و هو الذليل، ثم قال: يارسول الله، ارفق بة، فوالله لقد من الله بك و ان قومة لينظمون لة الخرز ليتوجوة، فانة يرى أنك قد استلبتة ملكا.

وسمع ابن أبى بالخير، فجاء يركض الى رسول الله(صلى الله علية و سلم) ويحلف بالله ما قلت ما قال زيد، ولا تكلمت بة و لما كان ابن أبى شريفا فى قومة، قالوا: يارسول الله عسى أن يكون الغلام قد أخطأ، و أنزل الله سورة المنافقين: *اذا جاءك المنافقون*
موقف متحفظ:
وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبى - وهو شاب صالح أحد الذين كانوا يكتبون الوحى لرسول الله - بلغة ما كان من أمر أبية فأتى النبى (صلى الله علية و سلم) ، و قال يارسول الله، بلغنى أنك تريد قتل أبى، فان كنت فأعلا فمرنى بة، فأنا أحمل اليك رأسة، انى أخشى أن تأمر غيرى بقتلة فلا ترعنى نفسى أنظر الى قاتل ابى يمشى بين الناس فأقتلة، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. فأجابة الرسول (صلى الله علية وسلم) قائلا: "بل نرفق بة ونحسن صحبتة ما بقى معنا " فكان بعد ذلك اذا أحدث حدثا عاتبة قومة و عنفوة وتوعدوة.
اى الأمرين خير؟
لما علم النبى(صلى الله علية و سلم) ما أصبح علية قوم أبن أبى بعد الذى حدث، وهو أنهم أصبحوا اذا أحدث حدثا سيئا عانبوة و عنفوة و توعدوة، و كفوا بذلك رسول الله (صلى الله علية و سلم)و أصحابة، قال علية الصلاة و السلام لعمر بن الخطاب: " كيف ترى ذلك يا عمر؟ أما و الله لو قتلتة يوم أمرتنى بقتلة لأرعدت * لة آناف لو أمرتها اليوم بقتلة لقتلتة " فقال عمر: أمر رسول الله (صلى الله علية و سلم) أعطكم بركة من أمرى.
لا عجب فى عذر الكافر:


انة لا ينبغى أن يتعجب من غدر الكافر، لأن ظلمة الكفر عندما تغطى القلب تحجب عنة كل معنى للخير و الفضيلة و المعروف فيصبح لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا.
وهذا مقيس بن صبابة الليثى كان قد قتل أخوة هشام بن صبابة فى هذة الغزوة، ضربة رجل من الانصار رهط عبادة بن الصامت بسهم فى المعركة خطأ فمات، فجاء مقيس يدعى الاسلام ويطلب بدم اخية هشام بن صباية الليثى فأعطاة الرسول
(صلى الله علية و سلم)دية أخية، و أقام قليلا عند رسول الله (صلى الله علية و سلم) ، ثم عدا على قاتل أخية فقتلة، ثم خرج الى مكة مرتدا وهو يقول:

حللت بها نذرى و أدركت ثؤرتى **
وكنت الى الاصنام أول راجع
فى ثلاثة أبيات المذكورة ثالثها (1) .
تابع غزوة بنى المصطلق من خزاعة أو المريسيع
حادث الافك (2):
عند عودة النبى (صلى الله علية و سلم) و أصحابة من غزوة بنى المصطلق وقريبا من المدينة، نزل رسول الله صلى الله علية وسلم منزلا ثم أرتحل، وحدث فى ذلك ما حدث، ولنترك لأم المؤمنين عائشة رضى الله عنها صاحبة القصة تحدثنا عنها بالتفصيل كما روى البخارى و أهل السنن وأهل التفسير قالت: كان النبى (صلى الله علية و سلم) اذا اراد سفرا أقرع بين نسائة، فأتيهن خرج سهمها خرج بها معة. فلما كان غزوة المصطلق، أقرع بين نسائة، فخرج سهمى فخرج بى معة و كان النساء اذ ذال يأكلن العلق لم يهجهن اللحم فيثقلن و كنت اذا وصل بعيرى جلست فى هودجى، ثم يأتى القوم الذين يرحلون بعيرى، فيحملون الهودج و أنا فية فيضعونة على ظهر بعير، ثم يأخذون برأس البعير و يسيرون. قالت: فلما قفل رسول الله(صلى الله علية و سلم) من سفرة ذلك - و كان قريبا من المدينة - بات بمنزل بعض الليل ، ثم ارتحل هو و الناس، و كنت قد خرجت ولبعض حاجتى - و فى عنقى عقد لى من جذع ظفار، انسل من عنقى ولا أدرى فلما رجعت التمست العقد فلم أجدة، فرجعت الى المكان الذى كنت فية التمسة فوجدتة، وجاء القوم الذين يرخلون بعيرى فأخذوا الهودج - وهم يظنون أنى فية - فاحتملوة على عادتهم و انطلقوا، ورجعتالى المسعكر، و ما فية من داع ولا مجيب - أى ما فية احد - فتلففت بجلبابى و اضطجعت اذ مر بى صفوان بن المعطل السلمى - و كان تخلف عن المعسكر لحاجتة، فلم يبت مع الناس فلما رأى سوادى أقبل حتى وقف على فعرفنى - وكان رأنى قبل أن يضرب الحجاب - فلما رأنى استرجع، و الله و ما كلمنى كلمة ولا سمعت منةكلمة غير استرجاعة فما كلمتة ثم قرب البعير و قال اركبى، فركبت و أخذ برأس البعير مسرعا فلما نزل الناس و اطمأنوا طلع الرجل يقودنى، فقال أهل الافك فى ما قالوا، فارتج المعسكر و لم أعلم بشىء من ذلك، ثم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة ، وقد انتهى الحديث الى رسول الله و الى أبويا ولا يذكران لى منة شيئا الا اتى أنكرت من رسول الله صلى الله علية وسلم بعض لطفة فكان أذا دخل على - و أمى تمرضنى - قال: "كيف تيكم؟ " لا يزيد على ذلك فوجدت نفسى مما رأيت جفائة ، فأستأذنتة فى الانتقال الى أمى لتمرضنى فأذن لى ، و انتقلت ولا أعلم بشىء مما كان حتى نقهت من وجعى ب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shapap.jordanforum.net
 
غزوات ومعارك رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» وصف لمحمد صلي الله عليه وسلم
» صبره صلى الله عليه وسلم
» وصف الرسول صلى الله عليه وسلم
» هكذا كان محمد صلى الله عليه وسلم
» من اروع ما قيل عن الرسول صلي الله عليه وسلم

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
شباب العرب :: الاسلاميات :: المنتدي الاسلامي العام-
انتقل الى: